خديجة الكبرى.. حب النبي الكبير
صورة أرشيفية
كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي رضي الله عنها، أول الخلق على الإطلاق إسلاما بعد البعثة، وهي أولى أمهات المؤمنين، وأمها: فاطمة بنت زائدة بن الأصم، كانت تدعى بالجاهلية الطاهرة، تزوجها صلى الله عليه وسلم، وهي أم أولاده كلهم إلا إبراهيم، وكانت خديجة رضي الله عنها، قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، زوجة أبي هالة بن زرارة بن نباش التميمي، ثم خلف عليها عتيق بن عابد بن عمرو بن مخزوم.
وذكر صاحب "الجامع الصغير" عنه صلى الله تعالى عليه وسلم، أنه قال: "أجرت نفسي من خديجة سفرتين"، وقيل: إن أبا طالب قال لخديجة: هل لك أن تستأجري محمداً، وقد استأجرت فلاناً؟ فرضيت خديجة واستأجرته صلى الله عليه وسلم.
ووقعت بعض المعجزات ورآها خادمها ميسرة الذي كان يرافق النبي في رحلة الشام رأي العين، لما كانت الهاجرة، ويشتد الحرّ، يرى ميسرة ملكين يظلان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشمس. وربحت تجارتهم ضعفي ما كانوا يربحون، فلما أن فرغوا من تجارتهم، وانتهوا منها، أزمعوا العودة، ثم قفلوا راجعين.
وذكر ابن الجزري في "ذات الشفاء": أن خديجة كانت من أوسط نساء قريش نسباً، وأعظمهن شرفاً وأكثرهن مالاً وأحسنهن جمالاً، فخطبوها فأبت، وأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم إليه نفيسة بنت منبه لتكلمه في هذا الأمر، وندعها تتحدث بنفسها عما جرى في هذا الصدد. تقول نفيسة بنت منبه مبعوثة السيدة خديجة: - «فأرسلتني (أي خديجة) دسيا إلى محمد بعد أن رجع في عيرها من الشام، فقلت: يا محمد، ما يمنعك أن تزوّج؟ فقال: ما بيدي ما أتزوج به، قلت: فإن كفيت ذلك، ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة، ألا تجيب؟ فقال: فمن هي؟ قلت: خديجة، قال: وكيف لي بذلك؟ قالت: قلت: عليّ، قال: فأنا أفعل، فذهبت فأخبرتها، وذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأعمامه، فخرج معه حمزة رضي الله عنه حتى دخل على أبيها فخطبها فأجاب، وكانت خديجة رضي الله عنها بنت أربعين سنة، وقيل: خمس وأربعين، وقيل: ثلاثين، وقيل ثمان وعشرين، وقيل: خمس وثلاثون، وقيل: خمس وعشرين، وكان تزوجه بها، صلى الله عليه وسلم في صفر.
كان صلى الله عليه وسلم في أكثر مراحل حياته حساسية، فسوف يبدأ الوحي بعد قليل، لذا فقد كان في أمس الحاجة لعقل ناضج وقلب كبير يستوعب التغيرات التي ستطرأ على النبي جراء بدء الوحي وظهور جبريل، ويعينه على تجاوز البداية، وكانت هذه الأمور كلها وأكثر متوفرة في السيدة خديجة فقد كانت له صدرا حنونا، وقلبا كبيرا، وفؤادا رؤوفا، بددت عنه أي شعور بالشقاء والهموم والأنكاد، وكانت ملاذا لروحه ونفسه ووجدانه.
ولما بعث صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل بقوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) ذكر في كتاب "التبيين": أنه صلى الله عليه وسلم أخبر خديجة فقالت: أبشر يا محمد، وقيل: يا ابن عم فإني أرجو أن تكون نبي هذه الأمة، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل فأخبرته بما رأى وما سمع، فقال: قدوس قدوس، والذي نفسي بيده لئن صدقت ياخديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له: فليثبت.
فأخبرته بما أخبرها ورقة فسري عنه صلى الله عليه وسلم بعض ما هو فيه من الهم، ثم لقيه بالطوق، فاستخبره فأخبره، فقال: والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء لموسى، ولئن أدركت ذلك لأنصرن الله نصراً تعلمه، ثم أدنى رأسه فقبل رأسه فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل في رواية: إن خديجة رضي الله عنها قالت: أبشر يا رسول الله، فوالله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
وتوفيت خديجة رضي الله عنها بعدما أقامت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعاً وعشرين سنة ولم يتزوج حتى توفيت، وكانت وفاتها في رمضان، وهي بنت خمس وستين سنة، ودفنت بالحجون بمكة، ونزل صلى الله عليه وسلم في حفرتها، ولم تكن هناك صلاة الجنازة بعد.
كانت وفاتها خسارة جسيمة، وكارثة فادحة، ولم يكن هناك بد من التفويض وتسليم الأمر لله سبحانه وتعالى، فإن أمره تعالى كان مقضيا، لكنها لوعة الفراق، وحرقة البعاد، وتباريح المزايلة لا سيما بين المحبين، لكن مقدور الله غير مدفوع. وقال عنها صلى الله عليه وسلم: "خير النساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد".
وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن عليها، فذكرها يوماً من الأيام فأدركتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلا عجوزاً، فقد بدلك الله خيراً منها، فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب ثم قال: "لا والله ما أبدلني خيراً منها، آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبوني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولاداً وحرمني أولاد النساء" فقلت في نفسي: لا أذكرها بسبة، وكان صلى الله عليه وسلم يكرم صويحباتها بعدها، فيقول: "هذه كانت تأتينا أيام خديجة، وهذه كانت من صواحبها".
وروي أن جبرائيل عليه السلام قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أقرئ خديجة عن الله وعني السلام. قال الجاحظ بن حجر: أفضل أمهات المؤمنين: خديجة بنت خويلد، وعائشة الصديقة، وقال صلى الله عليه وسلم: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا: مريم وآسية وخديجة، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام". وقال الإمام الأعظم: إن عائشة بعد خديجة الكبرى أفضل نساء العالمين.
وذكر في "شرح الجوهرة" عن أبي هريرة رضي الله عنه: "خير نساء العالمين أربع: "مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، امرأة فرعون، وخديجة وفاطمة". وصح من حديث ابن عباس: "أفضل نساء الجنة: خديجة وفاطمة ومريم وآسية"، وقد لقبها بعض المؤرخين بخديجة الكبرى تميزا لها وتكريما لدورها في الإسلام.