م الآخر| إنقطع عمله إلا من "توكيل قضايا"
بمجرد أن شاهدت إعلان بنقابة المحامين عن مسرحية "الوحش الأخضر" مدعمة، وبـ10 جنيهات فقط، سارعت بالحجز أنا وعائلتي الصغيرة؛ لكي يتمتع الأطفال بالعرض المسرحي بأقل التكاليف، وكان العرض مبهرًا لي قبل الأطفال، فهو قصة واقعية عن الخير والشر، والإسقاط السياسي على أحداث الثورة والإخوان، وشرعية الوحش الأخضر "الوحش الأخضرالطيب راجع"، وزعيم العصابة في السجن، وسط ضحكات الأطفال، ورسم البسمة، والبهجة من خلال هذه المبادرة من النقابة.
فكرت كثيرًا في اهتمام النقابة بأطفال المحامين، ومحاولة التفريج عنهم بهذا العرض المسرحي، ومن قبله عرض السيرك القومي، ومسرح العرائس بالعتبة، وفور انتهاء العرض طلب مني أحد أعضاء اللجنة النقابية الانتظار قليلًا حتى يودع "الأطفال من أيتام المحامين"، وبعد دقائق خرج متأثرًا بإحدى الأطفال قائلًا: "البنت دي صعبانة عليّ جدًا.. كل ماتشوف حد تتعلق بيه، وتفتكره والدها"، فقلت الله يرحمه، وكان سؤالي هل الأطفال الأيتام يترددون على المسارح مجانًا؟، قال لي "بالطبع، لكن والدتها مسكينة جدًا؛ لأن معاشها من النقابة ضئيل جدًا، وكان الفضول سيد الموقف.. "كام مقدار المعاش؟".
فكانت الإجابة صدمة أفقدتني التركيز لبضعة ثواني، وأفسدت فرحتي باليوم الذي جمعت فيه عائلتي للنزهة في المسرح، المعاش "40 جنيه" شهريًا؛ قلت في دهشة.. ليه ضئيل كده؟ الإجابة "أصله ماكنش عنده عدد كافي من توكيلات قضايا من موكلين؛ يا أستاذ أنت تعلم أن المعاش يتم تحديده بعدد التوكيلات في كل سنة، والمرحوم كان عدد توكيلاته قليل جدًا بس احنا في النقابة الفرعية بنصرف لها 300 جنيه، ولم نتركهم هكذا بدون مساعدة.
لم أعد أرى أمامي لثواني، وكل تفكيري انصب في كم وعدد توكيلات الموكلين لدي، وهل أجمعهم الآن في ملف أكتب على غلافه "الوصية ويسلم هذا الملف لنقابة المحامين لصرف المعاش؟" لم أتحمل نظرة زوجتي لي، وهي تسمع الحوار الذي دار بيني وبين عضو مجلس النقابة، أعلم ما دار في خيالها الآن، أحاول أن أتحلى بالصبر.. عدد توكيلاتي ليست بقليلة، أتذكر كم المصايف، والاحتفالات، والمؤتمرات التي يتم الصرف عليها بآلاف الجنيهات من أموال النقابة، أكاد أن أفقد الأمل، ولكن يوجد أمل آخر أن نهاية المسرحية هي "الوحش الأخضر الطيب رجع تاني"، وزعيم العصابة في السجن، وبالتأكيد سوف ينتصر الخير على الشر.