م الآخر| إن كان عقلك في ودنك تبقى م. م. م
قال وليم شيكسبير "عقول العامة في آذانهم"، مقولة في منتهى الدقة وكأنها قيلت لتلخص حالنا، والدليل إذا أسقطنا هذه المقولة على الواقع المصري فسنجد أنها تنطبق على السواد الأعظم من المصريين، حيث أن تركيبتنا المجتمعية الحالية اختلت، واختلط فيها الحابل بالنابل بعد اختفاء الطبقة المتوسطة، وظهور فئات طفيلية تملك المال وللأسف تقدمت الصفوف، فضلًا عن التزايد المستمر في معدل الأمية وأنصاف المثقفين، كل هذا لعب دورًا محوريًا في تحويل شكل المجتمع إلى مجتمع للعامة فقط.
وعلى الرغم من امتلاكنا لحضارة ضاربة في عمق التاريخ، إلا أن الكثير منا يفتقر إلى الوعي والمعرفة وعدم القابلية لمبدأ التضحية، وبما أن القائمين على الإعلام المرئي والمسموع جزء من هذه المنظومة فقيرة الوعي، فقد نجحوا في تغذية وقيادة عقول العامة بكل سهولة، فتعاظم تأثيرهم فأصبحوا هم الذين يوجهون، ويقودون، وأحيانًا يضللون.
إذن نحن أمام مصيبة اسمها الفضائيات التي تحولت إلى حصالة لأموال الشركات المعلنة أو الشركات المنتجة للأعمال الفنية والبرامج وغيرها، وبالتالي ليس في أجندة هذه الفضائيات أن تتبنى أي مشروع قومي في المجالات التي نحن في أمس الحاجة إليها، فما أحوجنا إلى خطاب ديني وسطي، وما أحوجنا إلى خطاب سياسي معتدل، وما أحوجنا إلى علماء اجتماع وتربية لتصحيح مفاهيم العامة وأيضًا بعض الخاصة.
أعجبتني مبادرة أطلقها الأستاذ الدكتور معتز بالله عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية، من خلال مقالة في جريدة الوطن، يوم الخميس 10 أبرايل 2014، وهي عبارة عن دعوة موجهة للمهندس ابراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، ليعرض على سيادته وعلى الشعب المصري بعض تجارب التنمية في دول العالم؛ لمناقشتها أمام الناس ليعرفوا أن المصريون ليسوا أقل من هذه الدول.
وبقدر ما أثمن هذه المبادرة، إلا أنني كنت أتمنى أن نغلق على أنفسنا الباب ونعمل في صمت، سواء كانت لدينا أفكار وآليات مصرية، أو حاولنا أن نستفيد من تجارب من سبقونا، ولا داعي لإعلان هذا على الفضائيات لأن "مفيش حد هيدينا فرصة ننجح".
لذلك أرى أننا يمكن أن نختبر وطنية الفضائيات التي تهدف في الأساس إلى الربح، ونطرح عليها مشروعًا قوميًا له مردود إيجابي على عامة الناس، وربما الخاصة أيضًا، يتلخص هذا المشروع في الآتي:
يتم تخصيص ساعة واحدة من ساعات الذروة في كل القنوات الفضائية تقدم في هذه الساعة (برامج توعية) من إنتاج هذه الفضائيات، كنوع من المساهمة الإيجابية في بناء الوطن، على أن تختص كل قناة بنوعية معينة من البرامج، ويتم عرض هذه البرامج في توقيت واحد على كل الفضائيات.. ولهذا فائدتين، الأولى.. أن الأسرة الواحدة سيكون أمامها عدة خيارات لتشاهد ما يناسبها أو ما تحتاج إليه من هذه البرامج، ثانيًا.. من المؤكد أن هناك أسر لا تهوى هذه النوعية من البرامج وتهوى المسلسلات والأفلام والبرامج الترفيهية، وبالتالي هذه الأسر لن تقوم بفتح التليفزيون من الأساس، وبذلك تكون قد ساهمت في ترشيد "الكهربا اللي عمالة تقطع كل شوية".
أما إذا رفض أصحاب الفضائيات هذه المساهمة البسيطة، فعلينا ألا نترك إعلامهم يتحكم فينا ويملي إرادته علينا، ويشكل وجداننا ويبدل قناعاتنا ويغذي روح الكراهية فينا، فنحن شعب لا يستحق أن يهان، فالإنسان المصري ذو إرادة، ويتمتع بمستوى ذكاء عال.. فإن كان عقلك في ودنك تبقى "م. م. م" يعني "مش من مستوانا"