طوائف الحرف.. كيف كانت الحركة العمالية قبل النقابات والاتحادات؟
طوائف الحرف
ظهرت طوائف الحرف قبل ظهور الصناعة الحديثة في مصر، وكانت تعكس تنظيما اجتماعيًا تسير عليه فئات الشعب، فالأفراد الذين تجمعهم مهنة واحدة أو عمل واحد ينظمون أنفسهم في شكل طوائف لرعاية مصالحهم الذاتية.
أصبحت الطائفة في العصر العثماني هي السمة المميزة لنظام المجتمع المصري، وكان التجار يشكلون طوائف تبعًا للبلاد التي ينتمون إليها، ففي عام 1802، دعيت طوائف الحرف بالقاهرة إلى الإشتراك في بناء دار الباشا تبعًا للقوائم التي أعدتها الحملة الفرنسية، وذلك حسب كتاب الحركة العمالة في مصر، للكاتب رؤوف عباس.
في القرن 18 كانت هناك 3 مجموعات كبيرة من الطوائف في القاهرة خضعت كل منها لإشراف ضابط معين:
- أمين الخردة الذي كان من حقه أن يدير دفة أمور الطوائف التابعة له ويجبي ضرائبها، وكانت تضم المغنين والخبازين وسوق الجمال وصباغي الحرير والحدادين وباعة الخردة.
- المحتسب وكان يتولى أمور الأسواق ويفتش على الموازين والمقاييس والأسعار.
- المعمار باشي وكان بمثابة كبير المهندسين، وتولى الإشراف على طوائف البنائين وصانعي الطوب، والنجارين وغيرهم من الطوائف المشتغلة بأعمال البناء.
صلاحيات شيخ الطوائف تصل إلى حد الحرمان من العضوية
وكان الأسطوات يمرون بأربع مراحل للترقية إلى أعلى مراتب الطائفة، فكانت المرحلة الأولى هي درجة "البيشرويش"، أم الثانية فكانت "النقيب الثاني"، وأما الثالثة فكانت مرتبة "النقيب" أو "النقيب الكبير"، وأما المرحلة الأخيرة فكانت درجة "الشيخ" وكانت الترقية من مرتبة إلى أخرى تتم عن طريق حفلات شد وعهد خاصة.
كان الشيخ يتمتح بسلطة واسعة على أعضاء الطائفة، فهو الذي يتولى توزيع الضرائب المفروضة على الطائفة على أعضائها، كما كان له حق توقيع العقوبات على المخالفين من أفراد الطائفة، وبرغم أن سلطته القضائية لم يؤكدها القانون، فإنها كانت محترمة من الجميع، وكانت تلك السلطة تمتد إلى الحكم بالسجن أو الغرامة أو إغلاق المحل أو حرمان المذنب من عضوية الطائفة.
انتهاء نظام الطوائف في مصر
اختلفت الآراء حول عوامل انهيار نظام طوائف الحرف، فهناك من يذهب إلى أن النظام الجديد الذي أقامه محمد على للصناعة أدى إلى انهيار النظام القديم، فأفسح نظام الطائفة الطريق لنظام المصنع الذي يمتاز بمجموعات الإجراء، وفي عهد سعيد ألغى حق الشيخ في فرض الغرامات على أعضاء الطائفة، وأخيرًا تم إلغاء ما بقي من الطوائف في عام 1882، ونفى مؤرخ آخر صدوق قرار بإلغاء الطوائف في عام 1882، ولكنه اتجه اتجاهًا آخر حين ذكر أن سلطة الشيوخ القضائية قد سقطت بتأسيس المحاكم الأهلية في عام 1883.
ولكن ما من شك أن الطوائف كانت موجودة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وأن تجربة محمد على الصناعية لم تقض عليها، ولم توجه إليها ضربة قاضية، ويحق لنا أن نتساءل: كيف بقيت هذه الطوائف على الرغم من التطور الجزئي الحديث الذي طرأ على المجتمع المصري في القرن 19.
ولا يمكن أن نعتبر طوائف الحرف بأي حال من الأحوال الأصل التاريخي لنقابات العمال الحديثة في مصر، لأن الطوائف كانت تضم العمال وأصحاب الأعمال، وكان نظامها يكفل انتقال هؤلاء إلى مرتبة أولئك إذا بلغوا حدا معينا من الكفاية والمقدرة وفق تقاليد الطائفة، لذلك لم يكن هناك انفصال بين العمل ورأس المال يتيح الفرصة لإبراز التناقض بينهما.