"عزل ولعب".. بطولة ممرضة بكفرالشيخ تخفف آلام كورونا عن طفل
رشا: "طلبت التطوع وتعرضت لانتقادات وقالولي هتروحي للموت برجلك"
رشا عبد الحميد، ممرضة بطلة فى مستشفى العزل ببلطيم
منذ أكثر من 20 يوماً وحينما سمعت أنه يجرى تجهيز طاقم من التمريض للتوجه لمستشفى العزل بمدينة بلطيم في محافظة كفر الشيخ، لم تفكر الممرضة الشابة رشا عبد الحميد الفقى، البالغة من العمر 23 عاماً، والتي تعمل بمستشفى سيدي سالم المركزي، ولم تتردد رغم الانتقادات التى وجهت إليها من عائلتها وزملائها، فبادرت بطلب التطوع ولم تنتظر موافقة الإدارة، بل جهزت أوراقها بنفسها لتلحق بالفريق الذي توجه للمستشفي قبل 10 أيام.
قبل 3 أيام وبينما كانت الممرضة الشابة التي تخرجت من معهد التمريض عام 2018، تباشر عملها بإحدى غرف مستشفى العزل، سمعت صوت طفلاً يصرخ يُتمتم بكلمات ليست مفهومة، تركت ما بيدها وتوجهت لـ"الطرقة"، لتجد الطفل "مهاب.ا.ع"، البالغ من العمر عامين، لم تصدق الممرضة أن هناك طفلاً بهذا العمر يُعالج من الوباء العالمي الجائج فيروس"كورونا المستجد"، شعرت للحظات بالخوف، لكنها إستجمعت قواها وقربت منه واحتضنته: "كنت بشتغل وفجأة سمعت صوت طفل كنت فرحانة وفى نفس الوقت اتصدمت، جريت على الطرقة لقيتهم طفلين، مهاب كان بيصرخ وماسك فى أخوه التاني وبيعيط، جريت عليه وحضنته، حسيت أنه ابنى، أثر فيا ومقدرتش أمسك نفسي، أخدته وروحت معاه لحد غرفته المحجوز فيها وقعدت ألاعبه".
تناست الممرضة البطلة مهمتها الرئيسية التى كانت تباشرها فى رعاية أحد المرضى، وبدأت تطمئن الطفل الذي يجلس برفقة والدته، وإلي جواره بعض البلالين، فقامت بتعليق الطفل في حامل العلاج والمحاليل وطافت به أرجاء الغرفة ليتحول بكاءه الى ضحكات بصوت مسموع: "نسيت كل حاجة وأخدته لغرفته وبدأت ألعب معاه وأنفخ البلالين وركبته على حامل المحاليل وطوفت بيه فى الغرفة، فتبدل بكاءه لضحك ولعب وهزار، ونسى تعبه وبكاءه، ولقيت زميلتى نورا شعبان، الممرضة، صورتنى فيديو وأنا بلاعبه، كان حاجة لطيفة، وكنت مبسوطة أنى دعمت الطفل ووالدته، وبيسأل عليا وانا بنزل أطمن عليه، بنهون عليهم التعب، فجأة لقوا نفسهم فى مستشفى مصابين بلا ذنب، فعلينا إننا ندعمهم".
ساعات من القلق عاشتها الجندية فى صفوف الجيش الأبيض، حينما قطعت مسافات طويلة من محل إقامتها لتصل لأول مستشفي جرى تخصيصه لعزل المصابين بـ"كورونا" في محافظة كفر الشيخ، لكنها تسلحت بدعوات ودعم أهلها، وثقتها بأن ما تقوم به من عمل هو لوجه الله: "تعرضت لانتقادات كتير، الناس كانت بتقولى حد يروح للموت برجليه، لكن أنا من جوايا كنت مقتنعة، أنا حبيت أشارك فى الملحمة دى، دا واجبى، ودا الوقت المناسب، قدرت أقنع أهلي أن العمل دا لوجه الله، وأنى لازم أشارك علشان مندمش، لكن كنت قلقانة طول ما أنا فى الطريق للمستشفى، ووقتها كنت بفتكر أننا ملائكة الرحمة وبتسلح بدعوات أهلى ليا".
بطلة بالجيش الأبيض: دعوات المرضى تدعمنا.. وجروح الماسك بوجهي شرف لي
لحظات خوف انتابت الممرض الشابة، حين وصلت للمستشفى، لكن وجود زملائها بنفس دفعتها هون عليها، ومع بدء مهام عملها زاد الخوف لديها لكن دعوات المرضى دفعتها لاستكمال مهمتها: "لما وصلت حسيت إن المكان غريب، شعرت برهبة وخوف، المكان يسكنه الهدوء على عكس طبيعة المستشفيات، المرضى وجوههم يملؤها الخوف ويترقبوا وصول أى فوج من الأطقم الطبية والتمريض، أول ما لبست الملابس الواقية، حسيت إنى مش هتحملها، كنت حاسة إنى مش هكون قد المسئولية، لكن لما بدأت شغلى وبدأت أطمن المرضى ويدعولى إحساسى تبدل من خوف لفرح ممزوج بالحزن".
لا ترى رشا، نفسها بطلة بقدر ما تؤكد أن ما تفعله هو واجبها ومن صميم عملها: "مش شايفة نفسى بطلة، على قد ما أنا شايفة إنه واجبى، هى مهمة زيادة شوية عن مهامنا العادية، لكن دى أجمل أيام عمرى بقضيها هنا مع المرضى، خدت عليهم وخدوا علينا، منحونى طاقة كبيرة، فخورة أنى بشارك فى العزل، وبقول أن التجربة أكسبتنى ثقة في نفسى وخبرات لم أكتسبها من قبل، ولو أتيحت أمامى الفرصة سأكرر التجربة بعد الخروج وانتهاء فترة العزل المنزلي، وكل ما أتمناه شفاء المرضى وأن ينتهى هذا الفيروس".
لساعات طويلة تضطر ملاك الرحمة رشا، لارتداء الملابس الواقية، ضمن الإجراءات الاحترازية التي فرضتها وزارة الصحة، على العاملين بمستشفيات الحجر والعزل الصحي لمنع إصابتهم بالعدوي، ما جعلها تترك أثراً في وجه الممرضة التى تُصنف بشرتها بـ"الحساسة": "بلبس الملابس الواقية والماسكات لوقت طويل، مش متحملاها وبتسيب علامات وندبات فى وجهى كتير بسبب إن بشرتى حساسة، أنا أكتر واحدة فى زمايلى الماسكات بتسيب ندبات فى وجههم، لكن أنا بعتبرها فخر وشرف برغم آلامها، ودعوات المرضى بتشجعنى أنى أكمل، وبتمنى من ابناء الشعب المصري البقاء فى منازلهم حتى نستطيع القضاء على الفيروس ".