«عبدالعزيز»: دمره الإخوان فى هجوم «بين السرايات»
أدت صلاة العصر وجلست أمام التلفاز تتابع لقاءً تليفزيونياً لوالدة الشهيد محمد الجندى، تاركة ابنها أمام المنزل ليساعد والده فى إطعام الخراف والاهتمام بها، تمهيداً لذبحها وبيعها، تابعت اللقاء بقلب الأم ودخلت فى بكاء هيستيرى عندما تخيلت نفسها موضع والدة «الجندى»، دون أن تدرى أن ابنها الذى تركها قبل لحظات سيقع تحت طائلة الرصاص بدوره، ويسقط غارقاً فى دمائه أمام عينيها.
تجلس داخل المنزل متشحة بالسواد، تنظر إلى الغرفة التى خصصتها لابنها من أجل زواجه، تشير إلى غرفة النوم والأريكة المقابلة لها قائلة: «دا جهاز ابنى رفضت أجوزه بره، بالذات إنه غلبان ومكانش بيسمع ولا بيتكلم وصعب أسيبه يتجوز بعيد عنى». تتذكر يوم مقتل ابنها «عبدالعزيز» الشاب الثلاثينى فى هجوم الإخوان على منطقة بين السرايات عصر يوم 2 يوليو من العام الماضى: «كان لسه مصلى العصر وخرج عشان يساعد أبوه، بعدها حصل الهجوم على المنطقة وابنى كان واقف قدام البيت ماعملش حاجة».
تحاول السيدة الخمسينية لملمة حزنها مستطردة: «مرة واحدة حصل هجوم على المنطقة، وابنى مش فاهم إيه اللى بيحصل، ناس بتجرى وناس بتستخبى، ومرة واحدة أبوه وقع من جنبه، ولما وقع شده عليه عشان يعرفه إنه اتصاب وفى شدة أبوه اتصاب بطلقتين، طلقة أصابت الكلى والطحال والطلقة التانية اخترقت الرئة».
بصوت متهدج ودموع تسبق الكلام: «جرينا على مستشفى بولاق الدكرور، وابنى كان لسه فيه الروح، وأنا فى الطريق عديت على الإخوان وهما نازلين من على كوبرى ثروت، بقيت أدعى عليهم خدوا منى ابنى يا ريتهم كانوا لبسونا النقاب ومكانوش خدوا مننا ولادنا».
تتذكر وصيتها لشقيق ابنها «عبدالعزيز» الذى يعمل مهندساً للصوت بأن يترك منزل الأسرة القديم لأخيه، وأن يقف جواره ويساعده، دون أن تعلم أن ابنها سيسبقها إلى الخالق: «عبدالعزيز اتظلم كتير، فقد السمع والنطق وهو عنده 3 سنين فى حادث سيارة، ومن ساعتها وهو مريض وما يعرفش يعمل حاجة غير إنه يساعد والده فى مهنة الجزارة، هو بالنسبة لوالده الجسم وأبوه بالنسبة له العقل.. أبوه كان مريض عنده ذبحة صدرية والضغط والسكر».
مشهد آخر لا يغيب عن مخيلة والدة «عبدالعزيز»، عندما ذهبت للاطمئنان على ابنها بالمستشفى وتصادف أثناء وجودها دخول جثمان نائب مأمور بولاق الدكرور: «ساعتها كنت فى المستشفى وانا خارجة شفت جثة نائب مأمور قسم بولاق، مش قادرة أنسى شكله ما تعرفيش عينه فين ولَّا وشه فين، لدرجة إنى مقدرتش أقعد فى المستشفى ومشيت، خلونا كرهنا كل واحد بدقن وكل ست بنقاب حتى لو مكانوش إخوان، أنا ابنى كان بيصلى وهو عنده 10 سنين، كان نفسى أعرف بيقول إيه لربنا وهو راكع».
لا تريد السيدة شيئاً من الحياة التى أصبحت بالنسبة لها بلا طعم أو لون بعد فقدان «عبدالعزيز» سوى أن تعترف به الدولة شهيد ثورة، وتضم صورته إلى صور الشهداء على شاشات التلفاز: «مش عايزة من الحكومة حاجة، الحكومة تعبانة ومحتاجة اللى يديها فلوس».