ننشر أهم تصريحات محفوظ عبد الرحمن لـ"الوطن" في الذكرى الثالثة لوفاته
طالب الدولة بدعم الفكر والثقافة.. وتنبأ بفشل الإخوان في حكم مصر
محفوظ عبد الرحمن
تحل اليوم الذكرى الثالثة لوفاة المفكر والمؤرخ الكبير محفوظ عبدالرحمن أحد أهم أعمدة الكتابة في السينما والمسرح والدراما في مصر.. تميز المبدع الراحل بالحديث عن الموضوعات الشائكة والمسكوت عنها بجرأة لا مثيل لها، وكان مهمومًا بقضايا الفن وما يخص المجتمع والشأن العام للشعب المصري، وكثيرًا ما طرح العديد من الروشتات لعلاج العديد من مشاكل الفن والمجتمع.
وكان لصحيفة "الوطن" رصيد لا بأس به من النقاش مع الكاتب الكبير فيما يخص الفن ومصر المحروسة ولهذا نعرض أهم تصريحات الكاتب الفذ، التي اختص بها جريدتنا، بمناسبة الذكرى الثالثة لرحيله.
الكاتب الكبير بدأ حديثه عن أسباب الانحدار الذي حدث في السينما والدراما والمسرح واللغة والأسلوب، وكيفية معالجته، قائلًا إن ذلك الانحدار، مقصود بفضل قوى تسعى لهذا، لأن الميزانية التي نتثقف بها مضحكة، فهناك كلام يقال ولا يزال يتردد عن أننا «بنشتري بفلوس الثقافة عيش ناكله»، ونبني كباري ونعمر، هذا عظيم جداً، ولكن في رأيي لا أهمية له إذا لم يكن هناك ثقافة وتعليم في البلد، وبالتالي نحن بهذا الشكل نبدأ من الآخر، لأن جميع البلاد التي تقدمت في أوروبا وآسيا بدأت من الثقافة والتعليم.
وتحدث الكاتب الكبير عن تأثير تدني الفنون على اللغة والأسلوب بشكل عام في الشارع المصري، فائلًا إن الكتاب بدأت مساحته تتضاءل، وليس كافياً أن نطبع الكتاب، إنما لا بد أن نتعلم كيفية تسويقه وننشره على نطاق أوسع، فالسينما «بعناها لناس بيكسبوا منها كتير قوى على حساب الأخلاق والفن والرؤية والإبداع»، لو قدمنا فيلماً راقياً وعظيماً جداً لن نجد سينما لعرضه، لأن هناك تكتلات موجودة، وبالتالي اللغة انهارت تماماً، والدليل أنني أصبحت لا أفهم لغة الشباب وما يقولونه.
وأضاف "عبد الرحمن"، أنه على الدولة أن تنتبهه لتلك الأمور الخطيرة، فالدراما التليفزيونية تمثل الثقافة الميسرة لكل مواطن، بداية من الوزير للبواب، وبالتالي التليفزيون هو شكل ثقافي له تأثير قوي، فعندما كنت أسمع كلمة «يا روح أمك»، كنت أعتبرها عيباً، أصبحت تتكرر وكأنها أمر طبيعي، وهذا يعد شيئاً شديد الخطورة، عكس أعمال عظيمة مثل «رأفت الهجان»، ومسلسلات أسامة أنور عكاشة، وغيرها، الوضع الحالي متدنٍ، فالممثلون غير الممثلين والكتاب وهميون، عبارة عن تجمعات.
وتابع: «يعني إيه ورشة كتابة؟»، هؤلاء أميون ليسوا على دراية بالحكاية، ولم يحدث هذا في التاريخ، هذا تبرير لإبعاد الكاتب الذي له رأي، فالبطلة هي صاحبة الرأي والمنتج هو الذي يوافق على الأفكار الميتة ومسلسلات رديئة تصنع بملايين الجنيهات وبعد 6 أشهر تختفي تماماً ولا أحد يعيد الفرجة عليها لأنها بدون تأثير.
للدولة دور كبير في الإصلاح الفني والثقافي
وعن كيفية إصلاح ذلك الخلل، قال الكاتب الكبير، إن فكرة الإصلاح موجودة لدى أجهزة الدولة حالياً باستثناء الفن، الدولة المفروض تعرف إن مصر لم يعد بها ثقافة لأنها انهارت، والذي يقدم حالياً من قبل ناس جهلة، وما ورثناه ضئيل جداً، فوزارة الثقافة بتصرف يدوب على المواطن 3 جنيه سنوياً عشان تثقفه.. ده شيء يضحك طبعاً، وبالتالي أطالب بسرعة عودة الدولة للإنتاج السينمائي والدرامي.
وعن دور الكتابة الدرامية في تأريخ الأحداث الهامة، قال محفوظ عبد الرحمن لـ"الوطن" إن الأعمال التي تتناول الأحداث التاريخية الهامة قليل، فمثلا أنا الكاتب الوحيد الذي تحدّث عن تأميم القناة من خلال مسلسل «بوابة الحلواني»، وأقول «للأسف»، لأنني كنت أتمني تناول هذا الحدث الكبير في أكثر من عمل فني، وقد استعرضت فيه موقف المجتمع وقتها من القناة بعد حفرها وعدد الوفيات الذين سقطوا أثناء الحفر نتيجة التعب وسوء الظروف، أما فيلم «ناصر 56»، فتناول فترة التأميم وكيف صدم القرار الغرب، بخلاف ما قدمته في الدراما، ولا أعرف لماذا لم يجتهد كتاب الدراما والسينما في الحديث عنها.
وأضاف: نحن انتقائيون في تاريخنا ككتّاب، نلاحظ أن البعض يُركز على جانب ما من الحدث، ويبدأ في الكتابة عنه، ويتجاهل الآخر تماماً، وأتمنى أن يكتب المؤلفون عن القناة، خصوصاً بعد حفر القناة الجديدة، التي استدعت الحديث عن القناة الأساسية «المؤمّمة»، لأن تاريخ القناة مثير جداً ودرامي، ومن الممكن إنتاج أعمال في غاية الروعة، والناس بدأت تتعرّف عليها، لأنه كان هناك عدد كبير من الناس، من بينهم مثقفون ومسئولون يجهلون دور القناة وأهميتها، والدليل أن فيه ناس اعترضت على التأميم وقتها، وطالبت بعدم الصدام، كما لو كانت بريطانيا ستتنازل عنها بسهولة، وهناك آخرون كانوا يريدون بيعها، وجرى عرض الموضوع بالفعل على مجلس الوزراء عام 1910، وكان هناك مشروع فعلي قائم بأن بريطانيا تعطينا مبلغاً في حدود 5 ملايين جنيه، وربما كان هناك مبلغ آخر مقابل استئجارها، وشراء المنطقة بأكملها.
وأشار الكاتب الكبير إلى أننا لو لم نؤمم القناة كنا سنُحرم من الفائدة الكبيرة لها، رغم أنها أغلقت لأكثر من عام خلال فترة الحرب، والصراع كان سيختلف، بغضّ النظر عن القناة، لأنها جزء من مصر، غير أن الأشياء التى فعلها «عبدالناصر» بما فيها العدالة الاجتماعية، وبناء مصانع، وفكرة الكرامة، لم يكن سيُكتب لها النجاح، أو التحقيق من الأساس، وبما أن بريطانيا كانت صاحبة النصيب الأكبر فى ملكية القناة نتيجة بيع الخديو توفيق نصيب مصر لها، كانت ستستولى عليها.
المبدعون في مصر لم يقصروا في الدفاع عن الأديان
وعن اتهام المبدعين بالتقصير في الدفاع عن الأديان، قال: دور الإبداع مهم، لكن لا بد من تشكيل هيئة أو لجنة من المستشارين للتفكير في حل لمخاطبة الغرب بطريقة تشد انتباهه وتحقق الهدف، بالتأكيد الدفاع عن الإسلام لن يكون بقتل السفير الأمريكي أو إشعال النار في السيارات، فكل الذين يرتكبون مثل هذه الأعمال التخريبية يعانون من أزمات نفسية.
وأوضح «عبدالرحمن» أن المبدعون في مصر لم يقصروا في قضية الدفاع عن الأديان، فقد تحمس الراحل حسين صدقي قديماً وقدم أفلاماً رائعة تضمها مكتبة تراث السينما المصرية ولكنها ممنوعة من العرض بأمر من الأزهر، فقد أصدر الأزهر فتاوى تحرم تجسيد الأنبياء والصحابة والعشرة المبشرين بالجنة، ومن يقترب من هذه الشخصيات المقدسة يتعرض لهجوم عنيف من علماء الأزهر، وقديماً قدم الراحل مصطفى العقاد فيلم «الرسالة»، وجرى منع عرضه في مصر، رغم أنه فيلم رائع ويقدم صورة مشرفة للإسلام، لذا أتمنى أن يعيد الأزهر النظر في الفتوى التي تحرم تجسيد الشخصيات المقدسة حتى يستطيع المبدعون التحرك بحرية.
الكاتب الكبير يتنبأ بفشل الإخوان في حكم مصر
تحدث الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن، عن تجربة حكم جماعة الإخوان لمصر متنبئا بفشل التجربة، حيث قال إن محاولة «الأسلمة» مغامرة لهم، وهي محكوم عليها بالفشل في النهاية، لأننا في مصر مجتمع وسطي محبٌّ للدين، منذ فتحها عمرو بن العاص، في حين أن غالبية الأفكار التي تحاول تلك التيارات نشرها تُعتبر ساذجة وسطحية، مثل دعوة هدم الأهرامات، وما شابهها، وأزعم أن تلك الأفكار أضرتنا، ليس فقط اجتماعياً، ولكن أيضاً دينياً، وفى نفس الوقت استنزفت رصيد تلك الجماعات عند الشعب الذى انتخبهم من باب أنهم «بيعرفوا ربنا»، ثم فوجئ بممارسات تتنافى مع تعاليم الدين وثوابت هذا الشعب، مثل الكذب، وتغيير الرأي، وأيضاً تبدُّل المواقف.
وأضاف أن كل من يشارك في لعبة الحكم اليوم يفتقد عنصرين مهمين، السياسة والثقافة، فأغلبهم تقريباً غير ناضج سياسياً، والأخطر من هذا هو الفقر الثقافي، فهم لم يقرأوا أي شيء، ولم يتعلموا من التاريخ، وفي نظرهم أن التاريخ المصري يبدأ منذ حكم عمرو بن العاص فقط، وهذه كارثة، لا سيما أنهم يسعون لتطبيق ذلك في مراحل التعليم، ويحاولون رفع كل ما يتعلق بالفراعنة، وما تلاهم من مناهج الدراسة.
وعن معركة الإخوان مع المثقفين قال، إن من يحاول الدخول في معركة ضد حرية الإبداع، سيصطدم بصخرة قوية، وسيصبح خاسراً بالتأكيد، فلا أعتقد أن هناك أشرس من النظام الإيراني، ومع ذلك إيران مليئة بالمبدعين، وبها أعمال سينمائية على مستوى عالي في مصر أتوقع أن يحدث تضييق على حرية الإبداع، ولكن لن يؤدى إلى شيء، فالمجال في الخارج مفتوح أمام الفنانين المصريين في عددٍ من الدول، مثلما حدث قبل ذلك في السبعينيات، وأعتقد أن المبدع سيكون عنيفاً في المقاومة لتلك المحاولات.