علا الشافعي تكتب: عن الجونة وفساتينها
علا الشافعي
لم أنس يومًا حديثًا دار مع الأستاذ والمعلم الناقد الراحل سمير فريد وكنا نقف في طابور طويل وممتد في انتظار دخول أحد أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان فينسيا السينمائي الدولي عندما قال "كل المهرجانات السينمائية كانت تقوم لأهداف ثقافية وتنويرية ولكن منذ اختراع السجادة الحمراء تدخل العنصر التجاري في كافة التفاصيل، وصارت السجادة هي معبر لكل البيزنس"، وكان عادة ما يختم حديثه" "عشان كده بكره التليفزيون اللي أخد كتير من سحر السينما وسطوتها".
دائمًا أتذكر هذا الحديث مع أستاذي الراحل مع كل حديث عن السجادة الحمراء، وفساتين النجمات وإطلالة فلانة، وبيت الأزياء الذي ترتدي منه علانة، وأغرب "لوك"، ودعاية الرعاة الرسميين، إلى آخر التفاصيل المتعلقة بـ"الرد كاربت" وصار صوتها أعلى ويغطي على الأنشطة الفعلية والحقيقية التي تدور في أروقة المهرجانات.
ومهرجان الجونة السينمائي في دورته الرابعة (٢٢ أكتوبر وحتي ٣١ من نفس الشهر) ليس بعيدًا عن ذلك، حيث تصدرت فساتين النجمات، وتعليقاتهن السطحية "الترند" في مصر على مدار الأيام الماضية.
والمفارقة أن الكثير من الأصدقاء الذين يفترض أنهم يملكون الوعي ويدركون بيزنس تلك الصناعة، لكنهم يلقون باللوم على المهرجان ويرون أنه المسؤول عن تصدير تلك الصورة، والحق أن معظمنا يعمل في مجال الإعلام وندرك أن ما يحدث يحتاج إلى وقفة حقيقية، حيث صرنا جميعنا عبيدًا للترند "ومن فاته الترند عليه أن يتشعبط فيه بأي طريقة".
لا أحد يتجاهل أنه لم يعد هناك اهتمام حقيقي بفرد مساحات واسعة للنقد الفني وتقييم الأفلام، فقط نكتفي "بالريفيو" السريع، حيث يتم تصنيف كل تلك المواد بأنها مواد ثقيلة الظل، ولا أعرف لماذا لم يتوقف أحد يا سادة ويسأل نفسه كم مرة وقفت في وجه مسؤول التحرير في مطبوعتك أو موقعك الإلكتروني لأنه لا يري نجومًا تزين الصفحة أو الموقع، كم مرة تم تأجيل الصفحة أو إلغاؤها لأنه لا يوجد نجم أو نجمة "يشيل"، وأن أي مادة تتعلق بالصناعة وكواليسها لا تهم القارئ من قريب أو بعيد "هكذا حاولوا اقناعنا"، ومن هنا بدأ الانهيار وما يحدث اليوم جاء نتيجة تراكمات على مدار سنوات طويلة بعد ما غاب البعد التنويري والتثقيفي عن وسائل الإعلام.
مهرجان الجونة في دورته الرابعة يحتفي حقًا بالسينما فقط للمهتمين والباحثين عنها، هو بداية عودة الحياة بعد فترة توقف وانعزال طويلة قد نعود إليها مرغمين بسبب "كوفيد 19"، هناك أفلام تعكس واقع الحياة المؤلم والموجع، (85 فيلمًا تعرض في الأقسام المختلفة في المهرجان) عن المهاجرين "حتي الأوربيون منهم وليس العرب فقط" في فيلم "استمع"، عن حرب البوسنة التي لا تزال نكتشف حقائق مؤلمة عنها ووجعًا يكشف لنا ما وصل إليه ضمير الإنسانية من تردٍ، لا ليس ترديًا بل موات في الفيلم البوسنى والنمساوي والروماني "إلى أين تذهبين يا عايدة" وهناك الجرح السوري النازف في فيلم "الرجل الذي باع ظهره"، والهم الفلسطيني في "200 متر"، وهناك أزمات الفقراء والمجتمعات التي تأكل أبناءها مع زيادة الفروقات الطبقية في الفيلم المغربي "ميكا"، والفيلم الذي يعري المجتمعات التي صارت خاضعة "للسوشيال ميديا" إلى درجة العبادة في الفيلم الفرنسي البديع صاحب السيناريو الجرىء والكاشف" امح التاريخ".
في الجونة ومثل غيره من المهرجانات هناك ندوات هامة عقدت وحضرت فيها وجوه سينمائية فاعلة في المشهد السينمائي المصري والعربي والعالمي (رغم ظروف الوباء) ومنها ندوة عن تمكين المرأة في العمل الفني، وندوة عن اللاجئين، وندوة عن منصات المشاهدة الجديدة "نتفليكس" وتأثير ذلك على المشهد السينمائي وصناعة السينما، ومحاضرة مع مدير التصوير الموهوب أحمد المرسي، وأخري عن "المؤثرات في السينما"، ضمن أنشطة سيني جونة، ولقاءات مع صناع الأفلام، فعاليات كثيرة لم تتوقف حتي الآن وتستمر حتي اليوم التالي لختام المهرجان.
وبالمناسبة معظم هذه الفعاليات تم النشر عنها في المواقع والجرائد اليومية، ولكن ما يتم الترويج له على صفحات "السوشيال ميديا "، دون عن باقي الفعاليات هو (التريند) وما يختاره مسؤولو صفحات المواقع والجرائد على "الفيس بوك وتويتر" حيث الفساتين والإطلالات، وما يتطلبه الترند أو هذه الصناعة الجديدة ، بينما تذهب الندوات والمقالات النقدية عن الأفلام والتي تملأ صفحات الزملاء الحاضرين من النقاد إلى الجحيم.