"كمال" و"العسال" و"الحكيم".. موكب الموت المهيب يحمل نعوش المبدعين
المَوْتُ نَقَّاٌد عَلى كَفِّهِ ..جَواهِرٌ يَخْتارُ مِنْها الجِيادْ"، بيت شعر يصف اختيار الموت لأصفيائه، فقد اختارهم حقًا باحتراف، وفي الموعد المحدد، فخفت ضوؤهم في الدنيا، وبقيت بصمتهم محفورة في الأذهان، فصانع الخبر في "مهنة المتاعب" لم تُنسَ حرفيته ومهنيته، مهما كانت التوجهات والأفكار، ونضال الفكر والقلم سيبقى علامة الكاتبة المتحررة في سيناريو إنساني صنع المرأة القوية العاشقة للحرية، التي ستبقى صورة ومثلًا لكثير من سيدات مصر، وسيظل الصوت الدافئ العاشق للفن والموسيقى، يمتعنا بحوارته الإذاعية النادرة، وذاكرة تحمل تراث لعصر الفن الذهبي.
4 أيام، طاف فيها موكب الموت، يحمل نعوش عبدالله كمال، وفتحية العسال، ووجدي الحكيم إلى الدار الآخرة، في لحظة ودَّعوا فيها عالم الفن والثقافة والصحافة والإعلام، وافتقدهم من رأوا فيهم مرآة تعبِّر عن حالهم بكتاباتهم وأفكارهم.
موكب "الموت المهيب"، انطلق من منزل الصحفي عبدالله كمال، يوم الجمعة الماضي، حاملًا روحه إلى السماء وجسده ليواري الثرى، ويبقي لنا أرشيف الصحفي الأربعيني، الذي قد يكون بدأ بخبر وصورة لمحرر طموح، وانتهى به إلى مقال افتتاحي في صدارة جريدة أو موقع إلكتروني يرأس تحريره، وبين كل هذا وذاك تحقيقات وتقارير ودراسات صحفية، كوَّنت رؤية وفكرًا في الشأن العربي عامة، والمصري على وجه الخصوص، فالجميع أجمع على مهنيته، والكثيرون اختلفوا مع آرائه السياسية في حقبة "مبارك" وما بعدها، والكثيرون اتفقوا معه في تلك المواقف.
ومرَّ "الموكب" ليقبض روح الباحثة عن الحرية، فتحية العسال، والتي اعتقلت من أجل هذه الحرية في عهد عبدالناصر والسادات ومبارك، وظلَّت تنقد وتكتب وتبدع، فأصبحت أول مؤلفة عربية تكتب للمسرح، وفي "لحظة صدق" حصدت لقب أفضل كاتبة، وتبقى تجاربها في "سجن النسا" مرآة لمجتمع نسائي عاصرته على أرض الواقع، وظلَّت تناضل وتهتف من أجل الثقافة حتى في عقدها الثمانين، ضد وزير حاول "أخونة المثقفين"، وهي تقول "لا نخشى أحدًا، اعتقلنا وسجنا، ولن نتراجع".
وظل وجدي الحكيم، النادر كتراب الماس، حكاء الفن والإبداع، يحكي ويقص كل ما هو نادر، ويتذكَّر لقاءاته بالعملاقة، ورثاءه للمبدعين، وبكاءه على أصدقاء العمر، فأظهر حياتهم كالمرآة، وبحث عن الوجه الآخر لشخصية الفنان، فعرفنا معه "الشرير الطيب"، و"الكوميديان الحزين"، و"الغني في فقره"، و"القوي في لحظات مرضه"، فالتقى بأصدقائه في الدنيا، ولحقهم إلى الدار الآخر، في آخر لقاء في رحاب المولى عز وجل.