رؤية مصر في مكافحة الإرهاب.. خطة شاملة لا تقتصر على المواجهة الأمنية
مصر تواجهة الإرهاب برؤية شاملة
تمتلك مصر رؤية خاصة في مكافحة الإرهاب طالما أعلنته بوضوح في كل المحافل الدولية، وهي رؤية تنطلق من موقف ثابت تتبناه الدولة المصرية بأن التنظيمات الإرهابية على اختلافها تمثل تهديدا متساويا وأنهم جميعا ينهلون أفكارهم من ذات المعين الفكري الذي يحض على العنف والقتل وترويع الآمنين.
وترى مصر أن التطرف بشتى أشكاله وصوره بمثابة المظلة الفكرية التي تستند إليها التنظيمات الإرهابية في نشر رسائلها الهدامة واستقطاب المؤيدين عبر تزييف المفاهيم الدينية.
وتسعى مصر جاهدة برؤية واضحة وسياسات فعالة لمحاصرة هذه الظاهرة، ليس فقط من الناحية العسكرية ولكن من مختلف النواحي الفكرية والتنظيمية والمالية، لما للإرهاب من تهديد وخطر جسيم على أول حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة.
وتؤمن مصر إيمانا راسخا بأهمية التكاتف الدولي لمواجهة هذه الظاهرة نظرا لطبيعتها العابرة للحدود حيث إن تنامي الإرهاب في أي منطقة لا يظل حبيس حدوده، بل يتنامى عبر الحدود والقارات، لذا تركز مصر على تعزيز سبل التعاون والمشاركة بخبرتها من خلال المنظمات الإقليمية والدولية والمنتديات الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب ومتابعة القرارات الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب والتنسيق مع الجهات الوطنية لتنفيذها على المستوى الوطني اتساقا مع القوانين الوطنية ذات الصلة، وتوفير التدريب للمؤسسات الأمنية والقضائية الإفريقية لرفع القدارات الخاصة بمكافحة الإرهاب وتعزيز فرص حفظ وبناء السلام في الدول التي تعاني من ويلات الحروب والنزاعات التي تسفر عنها أرض خصبة وآمنة لتوطين الجماعات الإرهابية.
كما تعمل مصر على تجفيف منابع تمويل الإرهاب، على المستوى الثنائي والدولي مع شركاء مصر الدوليين، اتساقًا مع القرارات الدولية الصادرة من الأمم المتحدة، وكذلك على المستوى الإقليمي في إطار عضوية مصر في العديد من المنظمات الإقليمية والدولية كجامعة الدول العربية، والاتحاد الإفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، والأمم المتحدة، والتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، مع متابعة جهود ونتائج برامج التعاون التي يتم تنفيذها بين مصر وشركائها الدوليين لنشر أفضل الممارسات في مجال مكافحة الإرهاب ومكافحة مصادر تمويله، واستقطابه للموارد البشرية.
وفي إطار مكافحة الفكر المتطرف، وتوفير الخطاب الديني السمح؛ تقوم المؤسسات الدينية المصرية، والتي تتمتع بسمعة دولية مرموقة، ومصداقية كبيرة بين جموع المسلمين حول العالم، ممثلة في كل من الأزهر الشريف ودار الإفتاء؛ بدور رئيسي في التصدي للفكر المتطرف على المستوى القومي، والإقليمي، والدولي، وذلك عبر عدد من المبادرات التي تهدف إلى تعميم ونشر الرسائل الدينية السمحة المعتدلة، وتفكيك البنية الفكرية التي تقوم عليها التنظيمات الإرهابية، ودحض المحتوى المتطرف الذي تروج له هذه الجماعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص.
ولا يقتصر ما تقدمه تلك المؤسسات على اللغة العربية، حيث تستخدم اللغات الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والإسبانية، والفارسية، والأردية، والصينية، ولغات إفريقية، حتى تستطيع المؤسسات أن توصل رسالتها عبر الـ193 دولة في كل بقاع الأرض.
كما تسعى مصر لمواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا، والتي تؤدي إلى تفاقم المشكلة، لأنها مجرد شكل آخر من أشكال التطرف الذي تعتمد عليه الجماعات الإرهابية لغرس فكرة الحصار في عقلية المتعاطفين معهم، وفرض اعتقاد بداخلهم بأن العالم كله يناصبهم ودينهم العداء، وتأكيد مزاعم المتطرفين الذين يرون في العالم عدوًّا للإسلام. لذا تؤكد مصر باستمرار على ضرورة مكافحة ظاهرة الإساموفوبيا في المحافل الدولية.
وتعمل مصر على المستوى القومي لخلق بيئة اقتصادية واجتماعية مواتية لرفض الفكر المتطرف، لذا تسعى مصر للعمل على معالجة الظروف المؤدية إلى انتشار اﻹرهاب، ومن بينها -على سبيل المثال- لا الحصر، التمييز على أساس الانتماء العرقي والوطني والديني، والاستبعاد السياسي، والتهميش الاجتماعي والاقتصادي، والافتقار إلى الحكم الرشيد.
وفي هذا الإطار، أطلقت الحكومة بمشاركة مجتمعية واسعة، وبمشاركة شركاء التنمية الدوليين، استراتيجية التنمية المستدامة حتى 2030 لتوفير حياة كريمة لجميع المواطنين دون تمييز، واعتمدت الحكومة المصرية خطة إصلاح اقتصادي شاملة، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدل النمو الاقتصادي من 4.4 % إلى 5,6 % بين 2014 و 2019 .
وشرعت الحكومة في إقامة مشروعات كبرى كثيفة العمالة أدت إلى خفض البطالة من 13,4 % سنة 2014 إلى 7,5 % في الربع الثاني من 2019 ، والتزامًا بتحقيق العدالة الاجتماعية والتكافل الاجتماعي لضمان حياة كريمة لجميع المواطنين وخفض الفقر، نفذت الحكومة عدة برامج ومشروعات، أبرزها زيادة معاشات العاملين بالحكومة والقطاعين العام والخاص من 103,1 إلى 175 مليار جنيه بين 2014 و 2019 بزيادة 41 %، ويستفيد منها نحو 10 ملايين مواطن، وإطلاق برنامج "تكافل وكرامة" لتوفير شبكة حماية اجتماعية للأسر الفقيرة والمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة وغير القادرين على العمل والأيتام، ويستفيد منها قرابة 10 ملايين مواطن، وإطلاق برنامج الدعم النقدي غير المشروط "الضمان الاجتماعي "، وتستفيد منه 1.4 مليون أسرة، وكذا تقديم منح دراسية لمنع تسرب أبناء تلك الأسر من التعليم.، وتوفير تمويل بقيمة 929 مليون دولار لإقامة مشروعات تنموية بالمناطق الأكثر فقرًا، و 550 مليون دولار من البنك الدولي لبرامج الإسكان الاجتماعي، وتوفير التغذية المدرسية لتغطي 11 مليون طفل.
كما كثفت الحكومة جهودها لمواجهة تحدي توفير سكن لائق وآمن وصحي للمواطنين، وتعمل على توفير وحدات لمختلف مستويات الدخل وتطوير مساكن الأسر الأولى بالرعاية.
كما تسعى مصر لتطوير قدراتها العسكرية لمكافحة الإرهاب، حيث يقوم الجيش المصري بعمليات مكثفة لمحاربة الإرهاب، كما تدرك مصر أهمية المواجهة العسكرية الحازمة لمنع التوسع الإقليمي من قبل الإرهابيين، وحماية المدنيين من أعمال العنف الوحشية التي يرتكبونها.
وللتأكد من فعالية هذه العمليات، تتعاون مصر عن كثب مع شركائها الدوليين، لتعزيز جهود مكافحة الإرهاب.
ولا تزال مصر تبذل جهدًا في مكافحة الإرهاب في ظل التحديات الإقليمية التي تؤثر على الوضع الأمني في مصر بشكل مباشر، والأزمات المزمنة في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد تطورًا كميًّا ونوعيًّا في الإرهاب، وانتشار الفكر المتطرف، والحروب الأهلية، وموجات من التهجير والنزوح الجماعي.
ويأتي ذلك بالإضافة للتحديات الخاصة بمعضلة الأمن وحق المصريين في الحياة كحق أساسي، والحفاظ على حقوق الإنسان السياسية، حيث تعرضت مصر في أعقاب ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013 لتحديات أمنية خطيرة، ولعدد كبير من العمليات الإرهابية التي تسببت في خسائر بشرية ومادية هائلة.
وبذلت مصر جهودًا مكثفة خلال السنوات الماضية لاستعادة الأمن ولتحقيق الاستقرار السياسي من خلال بلورة رؤية واضحة وتعاونية لمكافحة الإرهاب، وتطوير سياسات وخطط وآليات مكافحته، وحماية الحقوق والحريات السياسية والمدنية لتحقيق التوازن من خال تطبيق الضمانات الدستورية والقانونية القائمة في هذا الشأن، وكذلك تطوير تلك الضمانات.
لكن تبقى الإشكالية القديمة الحديثة التي تواجه استمرارية تجييش الجهود لمكافحة الإرهاب، وهي ما تمارسه بعض الدول من تمويل لبعض التوجهات الإرهابية للتدخل في شئون الدول الأخرى، بالإضافة إلى إشكالية إيجاد تعريف موحد لمفهوم الإرهاب، مما يؤدي لإثارة الجدل والخاف، الأمر الذي يعني أنه بإمكان البعض إضفاء صفة الإرهاب على أعمال هي أبعد ما تكون عن الإرهاب، كأعمال المقاومة المسلحة التي تمارسها حركات التحرر الوطني من أجل الاستقلال وتقرير المصير.
ولعلّ من بداية الأمور أن الوصول إلى تعريف موحد للإرهاب الدولي يحقق فوائد جمة على الصعيد الدولي؛ إذ ستتمكن بمقتضاه الهيئات الدولية ذات الصلة من اعتماد مرجعية قانونية موحدة، ويؤدي إلى توحيد المعيار النظري لهذه الظاهرة، ودعم الدول التي تقف في المواجهة لمحاربة الإرهاب حمايةً لحق شعوب العالم في الحياة، وتجييش الجهود الصادقة لإنهاء النزاعات المسلحة داخل الدول، والاستفادة من الخبرات الإقليمية المتوفرة في حفظ وبناء السلام.