الناشرون: تزوير الكتب «خراب بيوت».. والمزورون: ننشر الثقافة لغير القادرين
يمر محبو القراءة أمام سور الأزبكية، وأعينهم تبحث عن عناوين كُتّابهم المفضلين، تصطف كتب «فرتيجو» لأحمد مراد، و«مبارك وزمانه» لمحمد حسنين هيكل، و«عزازيل» ليوسف زيدان لدى باعة الكتب بنصف ثمنها لدى المكتبات الأنيقة بوسط البلد والزمالك والمهندسين.
أغلفة الكتب البراقة لا تشى بأنها مستعملة، مما قد يثير تساؤل الزوار الجدد لسور الأزبكية عن سر انخفاض الأسعار.
«ناس فى المصنفات بتبلغنا قبل الحملة ما تنزل، نخفى كل الكتب المضروبة»، الحديث لأحد باعة الكتب، رفض ذكر اسمه، مفسراً أن الكتب التى يبيعها، هى نسخ مزورة، بيعها وشراؤها جريمة يعاقب عليها القانون.
لكن ذلك لا يمثل مشكلة لعشرات الباعة الذين يبيعون الكتب المزورة يومياً فى وضح النهار، «بعد ما تمشى الحملة، بنظبّط اللى بلغنا بغدوة محترمة بقيمة 700 أو 800 جنيه، ولو حد اتقفش لينا ناس بتطلّعه وياخدوا باكوين أو تلاتة»، بهذه السهولة تستمر التجارة المحرمة التى تكلف دور النشر مئات الآلاف من الجنيهات سنوياً.
الكتب تتطابق مع النسخ الأصلية فى الأغلفة والتصميم، لكن الفارق يظهر بسهولة فى رداءة الطباعة الداخلية ونوع الورق المستخدم. يروى البائع خطوات صناعة الكتاب المزور، فما إن يصدر الكتاب حتى يؤخذ إلى إحدى المطابع الخاصة؛ لينزع غلافه، وتعاد طباعته من جديد عن طريق إدخال الورق إلى جهاز «سكانر» ثم طبع ألف نسخة، هى عدد نسخ الطبعة الواحدة، وتستغرق الطابعة ساعتين لإخراج ألف نسخة من الصفحة، أى إن الكتاب المكون من 300 صفحة، يستغرق 600 ساعة عمل تقريباً لطباعته ألف نسخة.
تختلف جودة الكتب المزورة عن الأصلية، فيخرج الكتاب المزور بجودة جيدة فى بعض الأحيان، وبرداءة غير مسبوقة فى أحيان أخرى، وفى كلتا الحالتين، يصل إلى القارئ بسعر زهيد مقارنة بأسعاره الحقيقية، حيث إن الكتاب المزور يصل إلى ربع ثمن الكتاب الأصلى وأحياناً أقل.
مزورو الكتب يرون فى ذلك مساعدة للقارئ، وطريقة فعالة لنشر الوعى والثقافة لغير القادرين على أسعار الكتب الأصلية، فمن وجهة نظرهم «اللى عايز يقرأ بيقرأ وميهموش أصلى ولاّ مضروب»، لكنهم يعترفون بأن الموضوع يهدف لتحقيق الربح ليس إلا، وأنه يحقق مكاسب مرضية لهم إلى حد كبير، وإنما تأتى من ضمن فوائده، أنه يوفر الكتاب بسعر مناسب ويحقق هامش ربح جيداً، فالكتاب المباع بخمسين جنيهاً على سبيل المثال، تتكلف طباعته سبعة جنيهات ويباع فى الجملة بعشرة جنيهات ويصل إلى الزبون بخمسة عشر جنيهاً فقط، فيحقق البائع ربحاً جيداً، فيما يحصل القارئ على كتاب بسعر مناسب لا يختلف كثيراً عن الكتاب الأصلى، فالمزورون يطبعون المحتوى كاملاً، إضافة إلى غلاف مشابه تماماً للأصلى، وبنفس «اللوجو» الخاص بدار النشر ورقم الإيداع وجميع التفاصيل التى تشكل الكتاب الأصلى، بينما يختلف وضوح الكلام ووضوح السطور بين الأصلى والمزور، والتى لا يشعر بها ولا يميزها سوى المزور أو بائع الكتب المزورة، وأحياناً القراء، فالمزورون يبررون ما يفعلون بأن دور النشر تبيع الكتب بأسعار مرتفعة جداً وبشكل مبالغ فيه.
على الجانب الآخر يتهم الناشرون مزورى الكتب بأنهم «محتالون ويستولون على مجهود الكاتب والناشر»، ويرون أن المزور لا يدفع ما يتحمله الناشر من تكاليف، فدار النشر لديها موظفون يتقاضون أجوراً كل شهر، وتقوم بالدعاية والتسويق اللازمين لترويج الكتاب، وتدفع الضرائب بشكل منتظم، كما أنها تدفع للكاتب وتأخذ تفويضاً منه، حتى تتمكن من نشر الكتاب.
وبالرغم من أن المزور يرى نفسه خادماً للثقافة، إلا أن الناشرين يرون المزور على أنه «حرامى غسيل»، فتتساءل الدكتورة فاطمة البودى، رئيس مجلس إدارة دار العين للنشر والتوزيع، «أين المزور من كل هذه التكاليف؟» وتضيف: إن المزور ليس إلا «حرامى» وعديم الضمير، فهو مثل حرامية الغسيل تماماً، فهو يلتهم جزءًا كبيراً من الربح الذى هو من نصيب دار النشر، التى كلفت العمل وأخرجته. وأشارت البودى إلى أن بعض دور النشر اليوم مهددة بالإفلاس والإغلاق، فيما أغلقت دور بالفعل لعدم استطاعتها الصمود أمام المزورين الذين يساهمون فى توقفهم عن بيع الكتب، وبالتالى الإضرار بالمؤسسة والعاملين فيها.
ما يقع على الناشر يتجاوز الضرر المادى، ويشكل إلى جانبه ضرراً معنوياً أيضاً، حيث إن شكل الكتاب المزور ورداءة طباعته، يسيئان إلى اسم الناشر سمعته، على حد قول البودى، التى اتهمت بعض أعضاء اتحاد الناشرين المصريين بتزوير الكتب وبيعها بمنطقة وسط البلد وسور الأزبكية، وقالت إنها حررت لهم محاضر، كما أنها ترى أن الحل الوحيد يتمثل فى تطبيق القانون على الجميع، وإعادة النظر فى القوانين المنظمة لعملية النشر، «فهى قوانين قديمة مضى عليها خمسون عاماً، ولا تستطيع مواجهة الآليات الجديدة للتزوير وقرصنة الكتب على الإنترنت».
الناشر محمد هاشم اختلفت زاوية رؤيته للمزورين، حيث قال إن حجة المزور بارتفاع السعر فى دور النشر غير مقبولة، فارتفاع الأسعار ليس مبرراً للسرقة والتزوير، وأكد أنه يقف مع خفض سعر الكتاب لأقل حد ممكن، وأضاف هاشم «كل حاجة بتغلى إلا الكتاب مع إن الورق بيغلى كل يوم»، محمد هاشم الذى يرأس دار ميريت يقول إن محاولات اتحاد الناشرين للحد من ظاهرة التزوير سوف تتبدد برحيل رئيسه محمد رشاد، ووجود رئيس منتمٍ للإخوان المسلمين، وهو ما يجعل هاشم يشك فى قيام الرئيس الجديد لاتحاد الناشرين، بنفس مواقف سابقه ضد التزوير، معللاً؛ أن المدنيين يختلفون فى فكرهم عن الإخوان.
أما عن موقف القانون، فتصل عقوبة جريمة تزوير الكتاب إلى الحبس ثلاث سنوات أو غرامة تصل إلى عشرة آلاف جنيه أو مصادرة أدوات الطباعة، وهو قانون لا يرضى الناشرين، حيث قال عادل المصرى، نائب رئيس اتحاد الناشرين ورئيس مكتبه التنفيذى، لـ«الوطن»، إن لجنة مكافحة تزوير الكتاب، التى يرأسها، قد تقدمت بمشروع قانون للجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشعب، يتضمن القانون تغليظ عقوبة الغرامة إلى عشرين ألف جنيه فأكثر، وأن يصبح الحبس وجوبياً وليس اختيارياً كما هو الآن، بالإضافة إلى وجوب مصادرة أدوات الطباعة.
وعن الخطوة القادمة قال المصرى إنه بالتعاون مع الرقابة على المصنفات الفنية سوف يتم الإبلاغ عن المزورين وأماكن بيع الكتب المزورة، بعد أن عقد اتحاد الناشرين مؤتمراً، أقر فيه بروتوكول تعاون بين اتحاد الناشرين المصريين والرقابة على المصنفات الفنية، بالإضافة إلى حضور ممثلين عن كل من النيابة العامة، ولجنة الحفاظ على الملكية الفكرية، والهيئة المصرية العامة للكتاب، وغرفة الطباعة، ودار الكتب المصرية، ومستشارين من مجلس الدولة بالإضافة إلى مباحث الإنترنت.
جهود الناشرين للحد من الظاهرة لم تتوقف عند هذا، فقد قال أحمد بدير، مدير عام دار الشروق - الدار الأكثر تعرضاً للتزوير: إن «الشروق» تحاول مساعدة الشرطة؛ عن طريق وجود أتباع الدار فى أماكن بيع الكتب المزورة، وتبليغ الرقابة على المصنفات الفنية عن بائعيها، لكن ضابط الشرطة ليس لديه الوعى الكافى للمواجهة، فهو لا يقتنع بالسرقة إلا إذا مد أحد يده فى جيبك وسرقك، ولا يدرك أن تزوير الكتب سرقة واحتيال لا تقل عن جرائم السرقة المعروفة. وأضاف بدير أن دار الشروق تحاول أن تصعّب على المزور عملية التزوير عن طريقة إضافة بعض التفاصيل للكتاب الأصلى مثل علامة «الهولوجرام» وهى علامة مائية يصعب تقليدها، مما يزيد من تكلفة الكتاب لدى الدار، ويزيد من صعوبة تزويره، وأكد بدير على أن المرحلة القادمة من مواجهة التزوير سوف تكون عن طريق نشر الوعى بين القراء وزيادة المعرفة بالفرق بين الكتاب الأصلى والمزور.