إبراهيم حجازى يكتب.. هي دي الحكاية! (3)
إبراهيم حجازى
«الحكاية.. أن حولنا، هنا فى مصر وهناك فى الخارج، أشياء كثيرة غير مفهومة وغير مقبولة.. والغريب أننا نقبلها ونتعايش معها.. ومع الزمن اعتدناها.. ولا نرى السلبية التى نحن فيها وعليها.. تعالوا نعرف الحكاية!».
بسم الله ما شاء الله.. نحن تخطينا فى التعداد حاجز الـ100 مليون نسمة!
حاجة غريبة.. عددنا كبير لكن حظنا قليل فى البطولات الرياضية! يا ترى ليه؟
طبعاً لا هو بخت مايل ولا المسألة عدم توفيق ولا «مضروبين عين» والحسد اتملك منا! ما نحن فيه وعليه حقيقة كلنا نعرفها وكلنا ننكرها!
الحكاية واضحة لأن كلنا عايشينها.. وتعالوا حضراتكم نحسبها مع بعض! الـ100 مليون مصرية ومصرى.. كم واحد منهم يمارس الرياضة؟ السؤال واضح كم واحد بيمارس الرياضة بنفسه.. لا أن يتفرج على «الكورة» فى التليفزيون! السؤال أكثر تحديداً.. كم واحد من الـ23 مليون بنت وولد فى المدرسة بيمارس الرياضة؟ للأسف بضعة آلاف وبقية الـ23 مليوناً لا علاقة لهم بالرياضة!
المشكلة أن ممارسة الرياضة هى السبيل الأوحد للكشف على المواهب الرياضية.. والمواهب هى التى تصنع الفارق وتحقق البطولات.. ونحن من زمن بعيد لا نرى الأغلبية العظمى من مواهبنا.. لا فى الرياضة ولا غير الرياضة.. لأن أكبر قاعدة بشرية تضم أطفالنا وشبابنا.. وأقصد المدرسة.. ملاعبها بنوا عليها فصولاً.. والمصيبة لا الفصول استوعبت الزيادة الهائلة ولا الملاعب بقيت.. وعليه تم إلغاء كل الأنشطة من المدرسة.. اتحرم الوطن من العثور على مواهبه!
الفراغ الذى تركته المدرسة.. تحمّله النادى وهو غير مؤهل لهذه المهمة بالغة الأهمية التى بدونها لا نرى مواهبنا، وتمثيل الوطن فى البطولات هو للمواهب والمواهب فقط.. لأنها منافسات دولية.. عالمية كانت أو إقليمية.. لا مكان فيها لأنصاف المواهب!
فى غياب المدرسة أصبح النادى هو المسئول الأوحد عن اكتشاف المواهب.. والمسئول الأول عن رعايتها فنياً وبدنياً ونفسياً وغذائياً وصحياً.. إلى أن يقدمها إلى المنتخبات فى المراحل السنية المختلفة لتبدأ الاتحادات الرياضية.. والحقيقة أن نجاحها من عدمه مرهون تماماً بنوعية المواهب التى اكتشفها النادى.. وبنوعية الرعاية التى قام بها النادى!
أحد لم يسأل طوال السنين الطويلة الماضية: هل النادى بتركيبته ونظام انتخاباته ومسئولياته الاجتماعية تجاه أعضائه مؤهل لأن يكون أول مسئول عن صناعة البطولة فى مصر فى كل اللعبات؟
الإجابة بكل وضوح: النادى غير مؤهل وسيبقى غير مؤهل طالما لا أحد يعرف هوية أنديتنا المسئولة عن البطولة.. هل هى رياضية أم اجتماعية.. أم رياضية اجتماعية أم اجتماعية رياضية؟
نظام الانتخابات فى الأندية لا يقدم لنا مجالس إدارة مؤهلة لصناعة البطولة، لأنها انتخابات اجتماعية وليست رياضية.. والفارق هائل، لأنها لو كانت رياضية ستأتى بمجالس إدارة مؤهلات اختيارها ترشحها لصناعة البطولة! تؤهلها لاختيار الأفضل فى الأجهزة الفنية والإدارية والطبية القادرة على انتقاء أفضل المواهب والقادرة على وضع برامج الرعاية الفنية والبدنية والنفسية... إلى آخره.. يعنى القادرة على وضع الأساس السليم للموهبة الصغيرة فى أهم مراحل صناعة البطل والنجم.. فى مرحلة الناشئين التى هى مسئولية النادى مسئولية تامة!
شىء من هذا لا يحدث ولن يحدث إن أبقينا قانون الرياضة ولائحتها على حالهما.. لأنه إبقاء على الوضع الغريب الذى فيه وعليه الأندية التى أى نادٍ كبير منها مسئول عن صناعة البطولة فى قرابة الـ30 لعبة رياضية!
لأنها ليست أندية مؤهلة لصناعة القاعدة الأساسية للبطولة وأقصد مرحلة الناشئين.. لا هى مجالس إدارة مؤهلة متخصصة فى صناعة البطولة.. ولا حتى هى متفرغة لهذه المهمة لأنها مطالبة بتلبية احتياجات الجمعية العمومية التى يعنيها المطعم والأكل والمفارش والكراسى لزوم القعدات.. والخلاصة!
مراحل الناشئين التى هى أساس صناعة البطل والنجم هى فى أى ناد «جاية مع العفش»! هى بعيدة عن العين والقلب! هى تأخذ الفتات المتبقى من الدرجة الأولى! هى لا تعطى «اللقطة» لمجلس الإدارة الذى همّه كله الفريق الأول ونتائجه.. وتولع مراحل الناشئين!
عندما تسأل تجد فى كل نادٍ فرقاً فى كل مراحل الناشئين!. المهم أنه يشترك فى كل المراحل.. لكن غير مهم على الإطلاق أن يكون هؤلاء الناشئون مواهب أم لا؟ فى أكبر أنديتنا.. أى فريق فى أى مرحلة سنية.. الموجود به موهبة أو اثنتان يمكن التنبؤ باستمرارهما! يعنى 30 ناشئاً مقيداً ويلعب مسابقات رسمية.. مَن يمكن أن يكمل اثنان والـ27 كومبارس!
المصيبة الأكبر أن الموهبتين الموجودتين وسط 27 غير موهوب.. ما حصلوا جميعاً عليه فنياً وبدنياً وثقافياً لا علاقة له ببرامج رعاية المواهب التى تطبقها الأندية العالمية!
النادى الكشكول الذى فيه 30 لعبة يصلح فى الرياضة للجميع.. لكن ليس فى صناعة البطولة!
فى لعبة مثل كرة القدم عندنا.. ما ننفقه على الفريق الأول أكبر مائة مرة مما ننفقه على الناشئين.. وأكبر مليون مرة من المستوى الفنى والبدنى لهؤلاء الكبار! مستوى لن يرتفع عن القدر الذى حصلوا عليه وهم صغار ناشئون.. والذى حصلوا عليه ضئيل وضعيف وعدمان!. يعنى ينصرف مليارات لجل نلعب مع بعض ونتشطر على بعض.. وخلاص!
لعبة مثل كرة القدم تحظى بشعبية هائلة.. والمفترض أن ترتقى بنفسها لتتماشى مع هذه الشعبية.. وتعبّر عن امتنانها لهذه الشعبية بنتائجها فى المحافل الدولية لعبة مثل الكرة بإمكانها أن تُفْرِح الشعب.. وأيضاً تُحْزِن الشعب!
قد يسأل البعض من حضراتكم: هل يمكن أن نلعب هنا كرة قدم مثل التى يلعبونها فى أوروبا؟
والله ممكن نلعب مثلهم وأفضل منهم.. لأن العنصر الأهم فى هذه المسألة وهو المواهب فرز أول عالمى أرضنا الطيبة تنبته.. والـ90% من هذه المواهب لا نراها أصلاً.. والعشرة فى المائة اللى شفناهم بالمصادفة نهمل رعايتهم!
وحياة محمد صلاح نقدر! طالما نوعية الموهبة الفذة موجودة فى أرضنا المصرية يبقى نقدر نلعب زيهم ونبهر الدنيا مثلهم.. شرط أن نعدل الهرم المقلوب.. يعنى أكبر عدد من بناتنا وأولادنا يمارسون الرياضة لأجل وطن ارتفاع شأنه متوقف على ممارسة شعبه للرياضة.. وأيضاً!
قطاع بطولة بجد.. أنديته متخصصة فى لعبة واحدة.. ومجالس إدارته متفرغون طوال الوقت.. لأجل صناعة البطولة وأهم مراحلها قطاعات الناشئين.. التى فى ظل هذه المنظومة تقدم لنا اللاعب الدولى فى سن 17 عاماً!
طيب.. إيه إللى معطلنا؟
لأن بقاء الوضع على ما هو عليه هو غاية المراد من رب العباد.. وهى دى الحكاية!