عبد المنعم مدبولي .. ملك الضحك والبكاء
"من بعد شقاوته وبعد همومه.. وبعد ما لف ودار طول يومه"، وصل قطار البهجة المحطة حاملا "الأب والجد عبده"، وعلى الرصيف ينتظر الأبناء والأحفاد في اشتياق وولع، للحضن الدافئ، والقلب الطيب، والوجه البشوش، فيطل عليهم ببساطة وتواضع من النافذة، فيجد "الشاطر عمرو" يطلب حكايات "جدو أبو شنبات"، وصغار، شاركهم لحظات الحب والمرح، متأهبين لحل الفزورة، وكبار جاءوا للاعتذار عن قسوتهم وجحودهم على والدهم، فيكون الرد ببسمة ترسم الوجه، ودمعة تذرف من العين "أبنائي الأعزاء شكرا"، إنه الضاحك الباكي، عبد المنعم مدبولي.
عندما دقت "ساعة لقلبك" في الإذاعة عام 1953، أعلنت رسميا عن مولد الكوميديان عبد المنعم مدبولي، وسط العمالقة، فؤاد المهندس، وأمين الهنيدي، ومحمد عوض وخيرية أحمد، رغم أنها لم تكن تجربة الأولى لمدبولي، الذي كانت له جولاته في الفرق المسرحية، مع جورج أبيض وفاطمة رشدي، بعد أن كشفت عنه برامج الأطفال، في انطلاقة إذاعية مع "بابا شارو".
"المدبوليزم"، مدرسة الضحك الجميل، التي بدأت مع "منعم"، الطفل الموهوب، ابن حي باب الشعرية، فبدأ قائدا لفريق التمثيل بالمدرسة الابتدائية، وظل أكثر من 50 عاما، يدخل السعادة على الكبار والصغار، فسكن قلب كل أسرة مصرية، من خلال الإذاعة في الخمسينيات والستينيات، وجعل الأب والأم والأبناء يلتفون حول شاشة التلفزيون في رمضان، في حيرة من فوازير "جدو عبده" التي علمت الكبار قبل الصغار، ويشتاقون للدراما الاجتماعية، التي جسدها "حسين" الموظف المطحون في فيلم "الحفيد"، ويبكون على حال "بابا عبده"، الذي تمرد عليه أبناؤه، ويداعبون صغارهم على أنغام "توت توت"، إحدى روائع دراما الثمانينات في "لا يا ابنتي العزيزة".
"الأستاذ رفيق العمر".. شكل عبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس، ثنائيا رائعا، في السينما والإذاعة والمسرح، فأجمع الجمهور على حبهم، وضحكوا على "قفشاتهم" الكوميدية، كما تعلقت أذهان الأطفال بهم، فكما كان مدبولي، الأب الحنون لأبنائه، والجد العطوف على أحفاده، الذي غنى معهم "حلقاته برجالته"، و"الشمس البرتقالي عليها ليا سنة"، كان المهندس المعلم الرشيد، عندما اجتمع مع أحباءه في فوازير "عمو فؤاد"، ومسرحية "هالة حبيبتي".
أجيال وأجيال، تدين بالفضل لـ"جدو عبده"، الذي تخرج على يديه نجوم الكوميديا، كـ"الزعيم" عادل إمام، رفيقه في "أتوبيس التعذيب"، والنجوم سعيد صالح، ويونس شلبي، وصلاح السعدني وويحيى الفخراني، وأحفاد صغار، أصبحوا نجوما في الفن والإعلام، فاكتسبوا منه خبرته، وساروا على خطاه، نجما ومعلما وأبًا، عزف سيمفونية الضحك في "زمن الفن الجميل".