"ابن قلاوون".. مسجد شاهد على الأجواء الرمضانية في العصر المملوكي
على ربوة عالية بجوار جبل المقطم شرق القاهرة، أصدر القائد صلاح الدين الأيوبي أوامره ببناء قلعة، يمكنه أن يرى منها بمرمى البصر المدينة بأكملها، فتحميها من أي غزو خارجي، وظلت القلعة منذ أن أنشأها الأيوبي مقرًا للحكم في الدولة الأيوبية ودولة المماليك، وحتى عهد الأسرة العلوية، وتمر على القلعة عصور من الازدهار وأخرى منكوبة بضعف حاكمه أمام أعدائه، فتعكس إضافة كل حاكم سكنها، ليرتبط كل مسجد أو قصر أو برج أو بوابة داخل القلعة باسم واحد من هؤلاء الحكام.
في القسم الجنوبي من القلعة، على يسار البوابة الوسطى، أمر السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون ببناء مسجد مكان آخر قديم أقامه الملك الكامل الأيوبي عام 718 هجرية، وبعد عدة سنوات أراد قلاوون توسيع المسجد فتم هدمه وإعادة بنائه، وضم إليه منشآت لكي تتم زيادة مساحة المسجد، وبعد أربعة أشهر وخمسة وعشرين يومًا، انتهت أعمال البناء، وعُرف باسم "الجامع الناصري".
بُني المسجد على مساحة تأخذ شكل المستطيل، يتوسطه صحن مكشوف تحيط به من جوانبه الأربعة صفوف الأعمدة بكل جانب، صفان من عشرة أعمدة بمجموع 72 عمودًا رخاميًا، اختلفت أحجامها مختلقة ومتنوعة التيجان، فرشت أرضية المسجد بالرخام وفي حائط المحراب، وأمام المحارب قبة أنشئت عام 1935 ميلادي، وحلَّت محل القبة القديمة التي سقطت وأمر السلطان قايتباي بإعادة بنائها، وترتكز هذه القبة على مربع بأركانه الأربعة "مقرنصات" كبيرة من الخشب وبأسفلها طراز خشبي مكتوب به بالخط البارز الكبير اسم السلطان الناصر قلاوون وتاريخ الإنشاء المسجد عام 735 هجري، بقاعدتها محمولة على عقود مرتفعة تحملها عشرة أعمدة ضخمة من الجرانيت الأحمر، وأطلق عليها القبة الخضراء لأنها كانت مزدانة ومحلاة بـ"القيشاني" الأخضر.
عُرف المسجد أيضًا بـ"جامع الخطبة"، لأنه كان الجامع الرسمي الذي تقام فيه صلاة الجمعة داخل المقر الرسمي للحكم في عصر المماليك، وفي المناسبات الإسلامية الدينية التي كان يحتفل بها المسلمون، كانت القلعة مركزًا لها، وهذا الجامع أيضًا مركزًا لها، وعلى سبيل المثال الصلوات في رمضان وفي العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى.
وأتت السائحة الستينية من بلاد الأرز إلى القاهرة التي وصفتها بعاصمة الفن المملوكي، في ثاني زيارة لها أغرمت بالتفاصيل الفنية والمعمارية من الخشب المطعم والسيراميك الأبيض والأسود الذي فرش به المحراب، لمسجد حفيد قلاوون الذي حرر طرابلس من الصليبيين.