«أم مصطفى».. سائقة الميكروباص: «أنا أنشف من 100 راجل»
عباءتها السوداء علامتها المميزة، تخلع رداء بيتها وترتديها فتتحول من «ست البيت» -الأم لـ3 أولاد- إلى سائقة الميكروباص الأشهر بمنطقة المرج، ولكنها لا تكتفى بذلك، فالانكفاء خلف عجلة القيادة يحتاج لمقومات أخرى، تقبع أمام مرآتها التقليدية، وتستغرق وقتاً طويلاً فى «لف» غطاء رأسها، ثم تقبض بيديها على قلم أسود اللون، فتُكحل عينيها، وحتى يكتمل رداء السائقة لا مانع من وضع بعض من «أحمر الشفاه»، ثم تقتنص الخواتم الفضية الخمسة المُلقاة على «التسريحة» لتُزين به أصابعها.. الساعة التاسعة النصف صباحاً هكذا تعلن إذاعة الشباب والرياضة، تجلس السيدة الأربعينية على منضدة خشبية متواضعة ثم ما تلبث أن تلتقط بعضاً من اللقيمات الصغيرة مع كوب شاى مغلى كشرى «مخروط بعناية»، ثم تُخرج عمود دخان من علبة سجائرها تُشعله بعود كبريت: «السيجارة ميبقاش ليها طعم غير لو ولعتها بعود كبريت»، تنفث دخانها بعيداً، وما هى إلا لحظات حتى تذهب لإيقاظ ولديها «مصطفى ومحمد»، ثم تتصل بفلذة كبدها الثالث «ميادة» لا لتطمئن عليها فقط ولكن على الجنين الذى تحمله داخل رحمها، فهو أول حفيد لـ «شادية» أو كما يُناديها أهل الكار «أم مصطفى».
«سيارة ملاكى وعيشة مستورة».. هكذا تصف «أم مصطفى» حالها قبل 4 سنوات، كان كل ما يشغل بالها وقتها هو «إزاى أعمل أكلة جديدة»، فالمطبخ كان عشقها الوحيد، لم تحمل للدنيا هموماً، ولا حتى أمانى اللهم سوى أمنية واحدة تتمنى تحقيقها: «نفسى أزور بيت النبى وأطلع عُمرة»، حتى حدث ما لم تكن تتوقعه، خلاف بسيط بينها وبين زوجها «ظابط الجيش»، نتج عنه انفصال غير رسمى: «اتخنقت منه.. كل يوم مشكلة شكل.. مكنتش عارفة أعمل إيه.. اشترط عشان يطلقنى إنى أتنازل له عن كل حاجة.. حتى العربية الملاكى.. ومخرجتش من البيت غير بالطقم اللى عليا، وأنا وافقت لأنى تعبت من كتر المشاكل».
لم يبق لـ«شادية وفلذات أكبادها» سوى الفُتات: «أجرت شقة فى شبرا الخيمة، وقعدت فيها أنا وعيالى، وكان معايا حتة دهب بعتها، لحد ما لقيت شغل، أول شغلانة كانت عاملة فى دار مُسنين، حاربت عشان القرش.. وخلال 3 سنين كان معايا مبلغ كويس»، كلّت أم مصطفى السمراء كحيلة العيون، من العمل فى الدار، وبحثت عن عمل آخر، قررت شراء «ميكروباص»: «حظى كان حلو، كان فيه سواق عليه كمبيالات وهيتحبس، فاشتريت منه العربية بالفلوس اللى معايا، وبعد كده وضبتها وعملتلها عمرة ودهان ودوكو.. وأهى ماشية الحمد لله».
«انتى بتقفلى عليا يا أم مصطفى.. أنا بس مراعى إنك واحدة ست ومش عاوز أأذيكى».. يقولها أحد السائقين، الذى يحاول المرور من ميكروباص «شادية» التى تلقنه درساً فى القيادة: «أنا بلطجية مع البلطجى.. ومحترمة مع المحترم»، أغلب زبائن الجدة مستقبلا، هم من الجنس الخشن: «الستات بيخافوا يركبوا معايا.. ده غير إنهم بيتكلموا كتير وأنا مبحبش كده».. كلام الناس تضرب به السائقة عرض الحائط: «لو اديت ودنى لكل واحد هيحرموا عليا كل حاجة.. وأنا طول ما انا بجيب قرش حلال عشان عيالى يبقى أكيد ربنا هيكرمنى».
العباءة السوداء هو الزى الرسمى لـ «أم مصطفى»: «مبعرفش أسوق العربية من غيره»، هى أكثر تحملا ومثابرة من الرجال فى أهل الكار: «بطبق ورديتين على بعض بشتغل من 10 الصبح لحد 3 الفجر، وأول ما أروح اطمن على عيالى، أما السواقين التانيين مبيقدروش يشتغلوا أكتر من 10 ساعات.. أنا الحمد لله أنشف من 100 راجل»، الراحة بالنسبة للسيدة أمر هام: «لما بتعب بركن الميكروباص وأقعد على أى قهوة، أشرب كوباية شاى مع سيجارة، وأعمل ريفرش لنفسى»، وعن الخواتم الفضة التى تُزين يديها تقول: «مبحبش ألبس دهب.. طول عمرى أحب الفضة وكل الخواتم دى هدايا»، وعن الكار تُضيف: «فى الأول كنت أقول على السواق (يعّ) إنما بصراحة لما عاشرتهم لقيتهم أرجل ناس»، الكل مُسخر فى خدمتها ليس لأنها «أنثى» ولكن بسبب جدعنتها مع خلق الله: «لو فيه أزمة جاز، بلاقى سواق جايبلى جركن.. وأهى ماشية».