اللواء شوقي صلاح.. حكاية ضابط دكتور مع إرهاب التسعينات
اللواء دكتور شوقي صلاح
له خبرات عديدة في التعامل مع قضايا الإرهاب كما يحمل فكرا في التعامل مع مواقف عدة بحكم خبراته مع ذلك الملف وكذلك خبراته البحثية التي نتج عنها عدة مؤلفات في هذا الشأن إنه اللواء الدكتور شوقي صلاح الذي عمل كضابط شرطة على مدار خدمته متنقلاً بين العديد من المواقع الشرطية، أهمها مجالات التدريب والأمن العام، فشارك في مواجهة الإرهاب من خلال عمله بمديرية أمن أسيوط في التسعينات من القرن الماضي، ومن خلال إحدى المأموريات التى قام فيها باقتحام منزل أحد الإرهابيين أرسى صلاح مفهوما جديدا فى التعامل مع الإرهابيين وهو ما بدأ بسؤال من أحد أفراد القوة المشاركة فى المأمورية حول هذا الأمر وتم الإجابة عنه بشئ من الاحترافية والإنسانية في ذات الوقت، وعلى مستوى الكتابات العلمية قام بإعداد العديد من الكتب والأبحاث العلمية المرتبطة بمواجهة الإرهاب؛ وناقش العديد من رسائل الدكتوراة للباحثين في هذا المجال، كما يحاضر في الموضوع للضباط في الدورات التدريبية التخصصية.
يتمتع اللواء دكتور شوقى صلاح برؤية ثاقبة فى مختلف القضايا الأمنية الشائكة وتنطلق تلك الرؤية من منظورين الأول عملي متراكم خلال عمله فى هيئة الشرطة والثانية نظرية بوصفه أكاديمى وباحث وفى الحوار التالى يلقي الضوء على خلاصة تجربته:
* اللواء شوقي صلاح.. شاركت في المواجهات الأمنية للإرهاب أثناء عملك بمديرية أمن أسيوط في تسعينات القرن الماضي فما هي أهم الدروس المستفادة من هذه التجربة؟
كان الوضع الأمني في أسيوط وقتها على قدر مقارب من خطورة الوضع الأمني في شمال سيناء الآن.. إلا أن أسلوب التفجير لم يكن ضمن مخاطر الوضع الأمني في أسيوط، ولعل أهم ما يجب أن تراعيه القوات أثناء الخدمات؛ اليقظة التامة وتنمية مهارات سرعة رد الفعل حال مواجهة اعتداء إرهابي؛ فغالباً ما تقوم العناصر الإرهابية برصد الهدف الذي تتطلع للهجوم عليه، لذا فإذا تبينت يقظة الهدف أو عناصر التأمين فإن الإرهابيين غالباً ما يغيرون وجهتهم لهدف سهل المنال منه.
* هل يمكن لقوات الشرطة تحقيق المعادلة الصعبة بمراعاة حقوق الإنسان خلال أعمال مواجهة الإرهاب؟
تطبيق القانون لمواجهة العناصر الإرهابية يجب ألا يتعارض مع مقتضيات حقوق الإنسان؛ وأذكر أنه أثناء قيامنا بعملية من عمليات القبض على أحد العناصر الإرهابية الخطيرة باقتحام منزله للبحث عنه، وذلك بناء على إذن تفتيش صادر من النيابة العامة، فقد قمنا بتلقين قوات الاقتحام قبل المأمورية مباشرة والتأكيد على أن قيامنا بالمهمة يجب أن نتجنب فيه إحداث أي تلفيات بأجهزة أو مقتنيات المنزل، وعدم التعدي على أي شخص خارج نطاق ضوابط الدفاع الشرعي؛ فقد تواجه القوات اعتداء من تلك العناصر الإرهابية أثناء تنفيذ المهمة.. وأثناء عملية التلقين هذه أثار أحد المجندين سؤالاً مضمونه: إذا تعامل معنا الإرهابي بالنيران ونفذت ذخيرته ثم استسلم، فهل يحق لنا توجيه النيران نحوه خشية أن يباغتنا بالهجوم بالنيران مرة ثانية؟ وكنت رئيساً للمأمورية ومعي أربعة ضباط و25 مجنداً، خلاف ضباط البحث وأمن الدولة، فطلبت من ضباط قسم المطاردة قادة المجموعات القتالية الإجابة على سؤال المجند، وتلخصت إجاباتهم على ضرورة اتباع الإجراءات الاحترازية لتجنب أي هجوم مباغت من الإرهابي، وأكدوا جميعاً على أن استسلام الإرهابي يعصم دمه.. كما يتطلب الأمر السيطرة عليه بشكل آمن وإسعافه إن كان مصاباً، ثم إثبات الوقائع في محضر لجمع الاستدلالات وتقديمه للنيابة المختصة لاتخاذ اللازم.
* الشراكة المجتمعية مهمة فى مواجهة الارهاب.. دكتور شوقي لقد نشرت عام 2014 كتاباً بعنوان «الشراكة المجتمعية في مواجهة الجريمة الإرهابية» فلتلق لنا بعضاً من الضوء على أهميتها في مواجهة تلك الجرائم.
بداية يقصد بالشراكة المجتمعية في مواجهة الجريمة الإسهام الحر الواعي التطوعي لأفراد وتنظيمات ومؤسسات المجتمع مع الأجهزة الأمنية لمواجهة الجريمة، سواء قبل أم بعد وقوعها وتتعدد وتتنوع أنماط تلك الشراكة، فتبدو أهمها في: التعاون مع أجهزة الأمن بالقيام بالإبلاغ عن الجرائم قبل وقوعها، أو الإرشاد عن مرتكبيها عقب وقوع الجريمة، ومن ناحية ثانية تتمثل في المحافظة على آثارها لحين قيام خبراء مسرح الجريمة برفعها وفحصها للاستفادة منها في تعقب فاعليها وإثبات الجرم عليهم، وكذا في قبول الشهادة أمام الجهات القضائية لكشف الحقيقة بشأن جرم معين، وتساهم التوعية الأمنية؛ خاصة في الأعمال الفنية وأجهزة الإعلام في إيضاح آليات التعاون الآمن مع أجهزة الأمن، هذا وإن كان لأجهزة الأمن مصادرها العديدة للحصول على المعلومات.. إلا أن الإبلاغ يكون له بالغ الأثر الإيجابي على المواجهة الأمنية للجريمة ويتجلى هذا مع توافر الحس الأمني لدى أفراد المجتمع. ونشير في هذا السياق إلى أن المؤتمر الصحفي الذي عقدته الأجهزة الأمنية في ناشفيل بولاية تينيسي الأمريكية بعد وقوع حادث تفجير كبير يوم عيد الميلاد في 24 ديسمبر الجاري؛ فقد ناشد مسئول أجهزة الأمن الفيدرالية الأمريكية (FPI) الجماهير بتقديم أي معلومات تتعلق بجريمة التفجير؛ وأشار إلى آليات هذا الإبلاغ.. وهو ما يؤكد على أهمية هذه الشراكة حتى في الدول الأكثر تقدماً في مواجهة تلك الجرائم.
في القصاص حياة.. اللواء الدكتور شوقي صلاح لقد نشرت عام 2020 مرجعك الموسوم «الإرهاب في ضوء المسئولية المدنية ــ مجموعة أبحاث» وأرفقت في نهاية الكتاب كلمة هامة بشأن تطبيق عقوبة «النفي من الأرض مدى الحياة» كبديل لبعض عقوبات الإعدام المقررة لجانب من الجرائم الإرهابية.. فهل لك أن تلق لنا ببعض الضوء على هذا؟
بداية نؤكد على الإبقاء على عقوبة الإعدام إعمالاً للقصاص؛ ففي القصاص حياة.. مع ضرورة إعمال مبدأ «عدم الإفراط في تقرير عقوبة الإعدام» ولتفعيل هذا المبدأ نقترح حلولًا أهمها : قصر الحكم بالإعدام على الفاعل الأصلي الذي ارتكب الجرم فقط، وذلك حال ثبوت الإدانة عليه في جرائم القتل العمدي المرتبطة بظرف عقابي مشدد؛ كالقتل بغرض إرهابي.. أما شركاؤه؛ وكذا مرتكبي جرائم إرهابية أخرى قرر فيها المشرع عـقوبة الإعـدام (كجرائم تمويل تنظيم إرهاب أو التحريض على ارتكاب القتل العمد بغرض إرهابي) فنقترح تقرير عقوبة جنائية أخرى ألا وهي عـقوبـة «النفي من الأرض مدى الحياة » حيث نراها جديرة بالدراسة والتأمل وهى عقوبة جديدة مقترحة ونقصد بهذه العقوبة «وضع المحكوم عليه في سجن مستقل عن السجون العادية، يقع بعيداً عن العمران، وتحكمه قواعد خاصة تمنع المحكوم عليه من التواصل الإنساني الطبيعي مع البشر مدى حياته إلا في حدودها الدنيا، مع وضع قيود على نشر مؤلفاته ــ إن وجدت ــ التي يكتبها داخل السجن». وغني عن البيان أن هذه العقوبة مستوحاة من النص القرآني الكريم «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ..." الآية (33) من سورة المائدة؛ والآية حكمها واضح؛ حيث أنها تضع بدائل عقابية لجرم محاربة الله ورسوله والسعي في الأرض إفساداً؛ وهو ما ينطبق على القتل بغرض إرهابي؛ فالبدائل تبدأ بالقتل وتنتهي بالنفي من الأرض، ولولاة الأمر تخير العقاب المناسب لكل زمان ومكان، ونهدف من طرح هذا التعديل التشريعي بتقرير عقوبة «النفي من الأرض مدى الحياة» ليحل بديلا عن بعض عقوبات الإعدام التي ترتكب دون أن يسفك مرتكبها دم بغير حق.