جامع محمد علي.. عندما يجتمع التاريخ بالمعمار في لقاء ديني
رأى السلطان محمد علي أن مدينته الصغير التي أقامها داخل قلعة صلاح الدين الأيوبي، والتي زخرت بالمنشآت كالمساجد والأسبلة والدواوين والمصانع الحربية ومشغل لكسوة الكعبة المشرفة ومدارس وغيرها، ينقصها مسجد لتقام به الصلوات ويكون به مدفنه، وظلت أعمال البناء بلا انقطاع حتى توفي محمد علي في 1849، ودفن في المقبرة التي أعدَّها لنفسه داخل المسجد.
على مساحة مستطيلة من ناحية الشرق داخل القلعة، عُرف بـ"جامع المرمر" فتكسو جدرانه من الداخل والخارج بالرخام الألابستر المستورد، وهو نوع من أنواع الرخام النادر، وحلي بنقوش ملونة وذهبية، منقسمًا إلى قسمين القسم الشرقي المغطى بالقباب الصغيرة والمعد للصلاة، والغربي وهو الصحن المكشوف تتوسطه فسقية الوضوء.
وتختلط فخامة المسجد وطرازه المعماري المتأثر بالفن البيزنطي، بهمهات الدعوات على ألسنة المصلين والزوار في أرجاء المسجد أثناء صلاة التراويح والصلوات الخمس في شهر رمضان الكريم، والذي يتوافد عليه المصلون بأعداد كبيرة في هذا الشهر الكريم، متجهين إلى المنبر الأصلي الكبير للمسجد، والمصنوع من الخشب المحلي بزخارف مذهبة، أما المنبر المرمري الصغير الواقع إلى يسار المحراب، فأمر بعمله الملك فاروق في سنة 1358 هجرية، الموافق 1939م.
"بالرغم أنني لست مسلمة إلا أنني أشعر بروحانية وراحة داخل مساجد القاهرة، وخاصة هذا المسجد"، تحدثت السائحة البرازيلية، في عقد الرابع من عمرها، عن الراحة والطمأنينة التي تبعثها روحانية مسجد محمد علي، والزخارف والنقوش ملونة ومذهبة التي كست أسقف المسجد، ففي الجانب الغربي قبر السلطان محمد علي، تعلوه تركيبة رخامية مدقوق بها زخارف وكتابات وتحيط به مقصورة من البرونز المشغول، وتضيء المسجد مشكاوات زجاجية متدلية ومنسقة بأشكال بديعة، عشقتها السائحة البرازيلية فتركت كأس العالم في بلادها وأتت للقاهرة للمرة السادسة منذ ثلاث سنوات برفقة أصدقائها.
في القسم الشرقي، الصحن المكشوف به قبة للوضوء لها رفرف خشبي مقام على ثمانية أعمدة رخامية، وتمت زخرفة باطن القبة برسوم ملونة تمثل مناظر طبيعية، كما تمت كسوة القباب من خارجها بألواح من الرصاص وبأسفلها صهريج المياه، ويعرف المسجد بمئذنته التي تعتبر أكثر مساجد القلعة والقاهرة شهرة بسبب مميزاتها المعمارية والفنية وارتفاعها الشاهق الذي تصل إلى 84 مترًا.
في عهد سعيد باشا تم عمل احتفالات رسمية لمدة خمس ليال من كل عام وهي: ليلة الإسراء والمعراج، ليلة النصف من شعبان، ثم ثلاث ليال من شهر رمضان هي ليلة 13 ذكرى وفاة محمد علي باشا، وليلة 14 رمضان حين تم دفنه، وأخيرًا ليلة القدر.