المطافئ.. إفطار على الخوف من «الحريقة»
يسمعون دوى صفارات الإنذار، تلك هى إشارة التحرك، تنذر بوقوع حادث حريق، يسرع رجال الحماية المدنية فى الهبوط من أعلى المبنى إلى أسفله، عن طريق عمود حديدى، يتسلقون من عليه إلى السيارات للتحرك، كل هذه العملية لا تستغرق سوى 5 دقائق، هنا إدارة الدفاع المدنى بالعتبة وسط القاهرة «المطافئ سابقاً».. «الوطن»، قضت ساعة الإفطار داخل مبنى المركز الرئيسى لعمليات الإطفاء فى القاهرة، رسالة رجاله هى إنقاذ أرواح الناس حتى لو كان الثمن حياتهم، رصدنا طبيعة وصعوبات عملهم، ومنها ترقب وانتظار الإفطار «على حريقة».
منذ 1989 وأمين الشرطة عادل عبداللطيف، يعمل فى غرفة عمليات إدارة الدفاع المدنى ويتلقى بلاغات الجمهور، وهو من أقدم العاملين فى الإدارة، ومرت عليه أحداث ولحظات شديدة الصعوبة.
يعمل «عادل» على جهاز اللاسلكى الخاص بتلقى البلاغ الوارد من خط 180 الخاص ببلاغات الجمهور، بعد ذلك يقوم بتوجيه السيارة إلى مكان البلاغ بأحياء القاهرة.
يسخر الأمين عادل من نفسه بقوله: «أنا على طول سعيد الحظ وموعود دايماً باستقبال البلاغات اللى فيها مصايب كبيرة»، يتذكر أن أصعب الأحداث التى مرت عليه كان سقوط عقار بمدينة نصر عام 2004، وراح ضحيته عدد من الضباط والأفراد بالدفاع المدنى أثناء محاولة إخماد حريق العقار.
لكن أمين الشرطة يرى أن هناك صعوبة أخرى تواجه عمل عناصر الدفاع المدنى، يقول «عادل»: «أصعب المواقف التى تواجهنا أثناء التعامل مع المواطنين، هى عدم احترام الناس لنا، فكثيراً ما يتم الاعتداء علينا أثناء تأدية عملنا، والناس مش بتقدر رجل المطافى، ويعتدوا عليه أثناء تأدية عمله، ومنهم اللى يقطع الخراطيم أو يكسر العربية».
«إحنا مهمتنا إننا ننقذ حياة الناس على حساب نفسنا، دى شغلتنا»، هكذا يكمل الأمين «عادل»، ويضيف: «الثلاث سنوات الماضية كانت من أصعب الأيام التى مرت علينا، لأن كثيراً من رجال المطافئ تم الاعتداء عليهم خاصة يوم 28 يناير 2011، وهو يوم لم أشهد له مثيلاً، فالحرائق كانت تملأ عدداً من مناطق القاهرة، وتم التعدى على سيارات المطافئ وسرقتها».
رمضان له طابع خاص جداً، كما يقول الأمين «عادل»: «نفطر وسط زملائنا، بمشاعر حب حقيقية، وننتظر الشهر الكريم حتى نتجمع على مائدة واحدة ساعة الإفطار، كلنا هنا بنحب بعض وبنستنى ييجى رمضان ونتجمع كلنا ساعة الفطار».
فى غرفة يقف «عم جمال»، الذى غادر الخمسين منذ عام، ممسكاً سكيناً يقطع بها الخضراوات لتجهيز السلطة لزملائه قبل الإفطار، فهو يعمل سائق سلم، يقول: «أنا باحضَّر الإفطار لزمايلى فى الشهر الكريم، رمضان بيلم الناس مع بعضها، وبنكون على مائدة فطار واحد، كلنا هنا إخوة وأسرة فيها جو من الحب والمودة بيننا».[SecondImage]
يعمل «جمال» فى «الدفاع المدنى» منذ 26 سنة، ويرى أن الدفاع المدنى عمل وطنى لإنقاذ المدنيين وممتلكاتهم من الحريق والانفجارات، قائلاً: «إحنا شغلنا بنتعامل فيه مع إنقاذ أرواح بشر، محدش فينا بيبقى عارف مين هيخرج من العمارة، فى النهاية إحنا بنعامل ربنا». أحمد حسن، شاب يبلغ من العمر 30 سنة، يعمل رجل إطفاء ميدانى أثناء عمليات الحريق، يقول: «لما اسمع جرس الإنذار كإشارة للتحرك أكون على أتم الاستعداد، متوجهاً إلى عربية المطافى للتحرك نحو مكان البلاغ».
ويضيف «أحمد»: «أول الصعوبات التى تواجهنا هى عدم تعاون الناس معنا أثناء السير فى الطريق، فالسيارات لا تفسح لنا الطريق لنصل بسرعة إلى مكان الحريق، كمان فى مكان الحادث شىء صعب، الناس بتشد الخراطيم وعايزة تروح تطفى النار وده أكيد بيعطلنا، وللأسف بتفضل تتخانق معانا وبنتعرض للسب فى كثير من الأحيان». يقول المطفئ الشاب: «الجميع وقت الحريق يهرب، عدا رجل المطافئ الذى يواجه النيران. إحنا بنقوم بعمل إنسانى، وربنا بيعينا، وانا فخور بعملى».
ويعتبر عبدالناصر فاروق، 43 سنة، أن عملهم داخل الدفاع المدنى «رسالة قبل أن يكون وظيفة»، قائلاً: «إحنا بنأدى رسالة قبل ما تكون وظيفة، بنتعامل معاها معاملة ربانية، ربنا هو اللى بيقوينا إننا نواجه حريق أو انفجار قنبلة، ودورنا ننقذ حياة الناس».
ويرى «عبدالناصر» أن الاختلاف الوحيد فى العمل بين الأوقات العادية وبين شهر رمضان هو التجمع مع زملائه ساعة الإفطار، مضيفاً: «هذه الأجواء لا تتكرر سوى مرة واحدة فى السنة، فجميعنا يعمل فى ورديات متناوبة، ولا يتوقف العمل تماماً حتى ساعة الإفطار، فمن الممكن أن يأتى بلاغ ساعة الإفطار فيذهب الفريق لتأدية عمله، وبعد ذلك يعود لاستكمال الإفطار».