«حلايب وشلاتين»: حكايات «الوجع» على أرض الذهب.. والفقر
أكثر ما «يوجعه» هو التشكيك فى مصريته هو وأبناء «حلايب وشلاتين»، فهو يعتز بانتمائه إلى «مصريته» أباً عن جد، ويفتخر بقبيلته «البشارية» التى تمثل أغلب سكان المدينة، بل يصف نفسه بأنه «ليس مواطناً مصرياً عادياً» وإنما هو «واحد من حراس البوابة الجنوبية لمصر».[SecondImage]
إنه الحاج محمد أوشيك، المتحدث الرسمى باسم قبيلة البشارية فى شلاتين، وواحد من القلائل الذين التقى بهم المشير عبدالفتاح السيسى بعد ترشحه لانتخابات الرئاسة ضمن أعمال «مؤتمر القبائل العربية»، ليعرض عليه مطالب أبناء المنطقة التى ظلت مهمشة، حسب قوله، طوال الـ30 عاماً الماضية.
يتذكر «أوشيك»، الرجل السبعينى، اللقاء الذى استمر قرابة الخمس ساعات، ويتذكر أيضاً كلمات «السيسى»، وهى أن «البلد تحتاج فى الفترة المقبلة إلى التكاتف والعمل بعيداً عن المظاهرات والاضطرابات»، ومطالبته لشيوخ القبائل بالوقوف مع الدولة ضد الإرهاب.
«الوطن» التقت «أوشيك» الذى بدت عليه ملامح التعب والإرهاق، فهو المتحدث الرسمى باسم قبيلة البشارية، الذى يقضى طوال وقته فى مقابلة الأهالى ومحاولة حل مشاكلهم والاستماع إلى مطالبهم.[FirstQuote]
يقول الرجل السبعينى: «حلايب وشلاتين ظلت فترة كبيرة مهمشة ولا يوجد بها أى مظهر من مظاهر الحياة، فأولويات الحياة الأساسية مثل الصحة والتعليم والعمل لا تتوفر فى المكان على الرغم من الإمكانيات الهائلة والثروات الضخمة التى تحتضنها أراضى حلايب وشلاتين».
ينظر الرجل إلى الأرض الفضاء والبيوت المصنوعة من الخشب المقامة عليها قائلاً: «تخيلى أرضاً مثل هذه تسمى (أرض الذهب) ويوجد بها أكبر نسبة ذهب فى مصر بأكملها ومع ذلك أهلها ما زالوا يعيشون فى منازل خشبية ولا يتملكون الأراضى التى يقيمون عليها، فضلاً عن نسبة البطالة الكبيرة المنتشرة بين الأهالى».
ويضيف الرجل: «يريد الأهالى أن يقننوا أوضاعهم بدل (وضع اليد) وأن يتملكوا الأراضى، والشباب تقدر تلاقى شغل داخل المدينة، بالذات الحاصلين على شهادات عليا بدل الاستعانة بموظفين وشباب من القصير وسفاجا».
وهناك مطالب بسيطة أخرى يريدها الرجل لمدينته، من بينها وجود طبيبات متخصصات يعملن فى المستشفى الموجود فى المدينة، وهو يقول عن ذلك: «عندنا مشكلة فى مستشفى المدينة وهى عدم وجود تخصصات طبية فلو تعرض مواطن لمشكلة يكون مضطراً إلى الذهاب إلى مدينة القصير، والمشكلة الأساسية التى تواجهنا هنا هى عدم توافر طبيبات متخصصات فى مجال النساء والولادة وهو ما يتنافى مع طبيعة المكان، فالمرأة فى حلايب وشلاتين لا تستطيع أن تنكشف على أطباء رجال، ورغم أن مستشفى شلاتين مر على بنائه 12 عاماً فإنه ما زال يعانى نقصاً شديداً فى هذه التخصصات».
ويتابع الحاج «أوشيك» أن «أغلب حالات الولادة تتم فى مدينة القصير، وفيه ستات كتير وضعت فى الطريق قبل وصولها إلى القصير، حصل لها مشاكل واستئصال للرحم».
وليست مشكلة غياب «الطبيبات» وحدها هى التى تؤرق أهالى «شلاتين»، فمن المشاكل التى يواجهها الأهالى كل عام سفر أبنائهم من الفتيان والفتيات إلى مدينة القصير لأداء امتحانات الثانوية التجارية والصناعية، وهو ما قال عنه «أوشيك» فى استياء: «زرت مكان إقامتهم، مفيش أى اهتمام بهم، حتى المكان اللى ينزلوا فيه هناك غير مناسب للدراسة، أنا رحت شفت المكان، مفيش لا مراوح ولا مياه، وفيه بنات فى مقتبل العمر بيسافروا يمتحنوا فى المدرسة الفكرية للبنات فى القصير، الوضع صعب والطلاب بيناموا على مراتب موضوعة على الأرض، عايزين اهتمام بأولادنا أكتر من كده، أو امتحاناتهم تتم داخل المدينة هنا وليس فى القصير».[ThirdImage]
وعود كثيرة تلقاها «أوشيك» هو وأبناء مدينته خاصة بعد ثورة 30 يونيو، ومن هذه الوعود أن توضع المدينة على خريطة التنمية بشكل جيد، وبما يعود على أهلها بالنفع، ويأمل الرجل أن تتحول هذه الوعود إلى حقائق على الأرض، وهو يحدث نفسه بأن «كل شىء يمكن أن يتحقق وما علينا سوى الانتظار».
وبعد القرار الجمهورى بتحويل حلايب إلى مدينة وحصولها على مقعد فى مجلس النواب المقبل، بدأ الأمل يدب فى نفس الرجل، آملاً أن تكون زيارات وزراء الإسكان والزراعة للمدينة فى الفترة الأخيرة ووعودهم بالتنمية «فاتحة خير على الناس»، قائلاً: «فى الفترة الأخيرة بدأ يكون فيه اهتمام بينا من الدولة منذ أن تم تحويل حلايب إلى مدينة، وأول مرة نشوف المسئولين يزورونا، وزير الصناعة والإسكان وأحمد المسلمانى ودرية شرف الدين وغيرهم».
وبعد صمت قصير، يواصل الرجل حديثه قائلاً: «كلها وعود ولم تتحقق، الأمل كبير فى الوعود إلى أن يثبت عكس ذلك، هيدونا دايرة فى مجلس الشعب ونتمنى أن يكون دا خبر حقيقى، ولكن أكثر ما يؤلمنا هو التشكيك فى وطنيتنا، طبعاً الإنسان اللى مشكوك فى وطنيته بيكون تعبان نفسياً، وعايزين نفتح باب الاستثمارات فى المدينة، إحنا حراس البوابة الجنوبية لمصر، ونتمنى يكون بينا وبين الناس فى القاهرة وباقى المحافظات تعاون كبير ومستمر».
ويستعرض الرجل الإمكانيات والثروات التى تمتلكها مدينته الحدودية فى جميع المجالات بقوله: «إحنا أرض الدهب، عندنا ثروة معدنية، والدولة أنشأت شركة شلاتين للتعدين للاستفادة من الثروات المعدنية وتقنين أوضاع الدهابة (أى الباحثين عن الذهب) فى المنطقة، وعندنا ثروة سمكية هائلة، وثروة حيوانية كبيرة جداً».
ويحكى «أوشيك»: «قابلنا وزير الزراعة وطلبنا منه الاستفادة من الأراضى الموجودة عندنا وإننا نبدأ نزرع فيها علف تتغذى عليه المواشى، خاصة أن الأراضى من حلايب وشلاتين إلى أسوان صالحة للزراعة، وعملنا دراسات جدوى تثبت صحة كلامنا، بالإضافة إلى أن القوات المسلحة تعمل حالياً فى إنشاء مجزر آلى فى المدينة، وبالتالى سننمى الثروة الحيوانية ونسد النقص فى اللحوم بالنسبة للقاهرة وغيرها من المحافظات».
قطاع آخر يراه الرجل مهملاً على الرغم من وجود الإمكانيات التى تساعد على تنميته، وهو القطاع السياحى: «حلايب وشلاتين توجد بها أماكن ومحميات لا مثيل لها فى العالم مثل محمية جبل علبة ووادى الجمال ورغم ذلك لا يتم الاستفادة منها وأكثر ما يؤلمنا هو أن السياح الذين يزورون المنطقة يقومون فقط بالتقاط الصور للجمال والحمير وهو شىء مهين للأهالى هنا، فضلاً عن أن المدينة تقع على ساحل البحر الأحمر وتوجد بها محميات طبيعية لم تطلها يد البشر بعد، فلماذا لا تقام المدن السياحية على ساحل المدينة؟».[SecondQuote]
أمنية واحدة يتمناها الرجل وهى أن «يتعامل معهم المسئولون بنوع من الجدية كما تتعامل معهم القوات المسلحة التى خصصت مكتباً سمته (مكتب رعاية شئون القبائل) لحل مشاكل الأهالى وتقديم العون والمساعدة لهم قائلاً: «إحنا مصريين حتى النخاع ولا جدال فى هذا الكلام.. الأرض مصرية وإحنا حراس البوابة الجنوبية، ولا نريد المزايدة أو التشكيك فى مصريتنا، ومن يدعمنا هو القوات المسلحة، بداية من مكتب رعاية شئون القبائل ودارسين مشاكل الناس ومشاكل المنطقة ونتمنى أن يعاملنا المسئولون بنفس معاملة الجيش، وأن يتم وضعنا على خريطة التنمية، فعلاً لا قولاً».