الدكتور فوزى الزفزاف عضو مجمع البحوث الإسلامية.. كان خلقه القرآن
بلغت أخلاق النبى، صلى الله عليه وسلم، سنام مراتب الكمال ولم يبلغ أحد كمال الاعتدال فى أمهات محاسن الأخلاق إلا هو، فمدحه رب العزة فى قوله تعالى: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ».
سأل سعد ابن هشام السيدة عائشة، رضى الله عنها، عن معنى هذه الآية فقالت: ألست تقرأ القرآن؟ قال: بلى. قالت: فإن خلق رسول الله كان قرآناً.
لقد شملك الله، جل وعلا، يا سيدى يا رسول الله، منذ ولادتك بعنايته، وأحاطك برعايته، فكنت فى مجتمعك نموذجاً فريداً فى خلقك منذ أن نشأت بينهم وقبل أن يبعثك الله نبياً ورسولاً إلى البشرية كلها، وكنت محل تقدير واحترام قومك رغم عزلتك عن مجالس لهوهم وعبثهم ورغم عدم مشاركتك لهم فى عبادة الأصنام، ووصفك قومك بالصادق الأمين لما لمسوه فى أقوالك وأعمالك وسلوكك من خلال احتكاكهم بك فى جميع مجالات الحياة، ولأن حسن الخلق أرقى منازل الكمال فى عظماء الرجال ولأن حسن الخلق يجمع من الفضائل والمكارم لمن يتحلى به جعلته يا سيدى يا رسول الله سبباً من أسباب بعثتك فقلت: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وحسن الخلق قسمان: أحدهما مع الله عز وجل، وهو أن يكون العبد منشرح الصدر بأوامر الله تعالى ونواهيه، يفعل ما فُرض عليه طيب النفس به، وينتهى عما حُرم عليه ويرغب فى نوافذ الخير ويترك كثيرا من المباح لوجهه تعالى إذا رأى أن تركه أقرب إلى العبودية من فعله.
أما الثانى فحسن الخلق مع الناس، وهو أن يكون العبد سمحا فى حقوقه لا يطالب غيره بها ويوصى بما يجب عليه لغيره، فإذا مرض ولم يُعد أو قدم من سفر ولم يزر أو سلم ولم يرد عليه، أو أضاف فلم يكرم أو أحسن فلم يذكر أو استهل الدين فلم يمهل وما أشبه ذلك لم يغضب ولم يعاقب.
ولو استعرضنا حياة الرسول، صلى الله عليه وسلم، منذ نشأته إلى أن لقى ربه لوجدنا أنه صلى الله عليه وسلم كان القمة فى كل فرع من فروع حسن الخلق على تنوعها وكثرتها، ولا يتسع المقام لذكر أمثلة تطبيقية من حياته صلى الله عليه وسلم فى كل فرع من هذه الفروع رغم وفرتها.
وتسجل السيرة العطرة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، الكثير من المواقف العظيمة التى تنطق بحسن الخلق للرسول، صلى الله عليه وسلم، فى الجانب الذى يتعلق بذات الله، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يتحمل قسوة الكفارة وصدهم العنيف له وأنه لم يكن يبالى بكل ذلك رغم شدته ما دام ما يصيبه ليس غضبا من الله، وتظهر عظمة الرسول، صلى الله عليه وسلم، ويتجلى خلقه العظيم فى مناداته ربه عندما سخر منه سادة سقيف حين ذهب إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام فأغروا به سفاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به فيناجى ربه قائلا: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربى، إلى من تكلنى؟ إلى بعيد يتجهمنى أم إلى عدو ملكته أمرى؟ إن لم يكن بك علىَّ غضب فلا أبالى، ولكن عافيتك هى أوسع لى، أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بى غضبك أو يحل علىَّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك».
أما حسن خلقه صلى الله عليه وسلم فى الجوانب المتعلقة بالعلاقة بينه وبين الناس فإن حسن خلقه كان هو المسيطر والمهيمن على كل أقواله وأفعاله، وأمثلة ذلك من الكثرة والوفرة بحيث تعجز من أراد أن يعدها أو يحصيها، وتكفى الإشارة إلى بعض أمثلة ذلك؛ فيقول أنس، رضى الله عنه: «خدمت النبى، صلى الله عليه وسلم، عشر سنين فما قال لى أف قط وما قال لشىء صنعته لِمَ صنعته ولا لشىء تركته لِمَ تركته، وكان صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً ولا مسست ديباجاً قط ولا حريراً ولا شيئاً ألين من كف رسول الله ولا شممت مسكاً قط ولا عطراً كان أطيب من عرقه صلى الله عليه وسلم».