المصريون العالقون فى ليبيا.. حكايات الحرب والعودة المستحيلة
وصلة من الإلحاح اعتادها الأب من طفليه يحيى وصبا، يناشدانه الرجوع من ليبيا التى يشق سكونها الليلى أصوات الرصاص إلى مصر الملاذ الآمن فى رأيهم.. غير أن أسرة مصطفى حماد، الطبيب، لم يكن بمقدورها العودة عبر مطار طرابلس المقصوف بصواريخ ميليشيات مسلحة فى 13 يوليو الحالى، والطريق من طرابلس إلى أقرب المطارات محفوف بمخاطر الاصطدام بعصابات وميليشيات متطاحنة استهدف بعضها عشرات المصريين فى الآونة الأخيرة.[FirstQuote]
مئات المصريين، بينهم عشرات الأسر، تعانى فى الوقت الراهن أزمة العلوق بالأراضى الليبية، بعدما باتت الحالة الأمنية فى كافة المدن الليبية بما فيها طرابلس العاصمة توصف بأنها «متراجعة». وحصلت «الوطن» على قائمة بأسماء أكثر من 300 مصرى، بينهم أسر كاملة، عالقين فى طرابلس، يسعون لمغادرتها منذ أكثر من سبعة أيام دون جدوى.
حوّلت نيران القصف التى أوقفت حركة الملاحة بمطار طرابلس تذاكر الطيران التى اشتراها مصطفى حماد إلى مجموعة من الأوراق الملونة غير المفيدة. «حركة الطيران توقفت تماماً.. ورحلة العودة بالنسبة لى كانت فى اليوم التالى لقصف المطار» يقول حمّاد.[SecondImage]
يعمل تامر عزت، مصرى الجنسية، كفنى صيانة مصاعد بإحدى كبرى شركات المصاعد العاملة فى طرابلس، وبعدما فشل عزّت فى العودة جواً إلى مصر. بحث عن طريق ثانٍ.. محفوف بخطر أكبر.. طريق البر.
براً.. تمتد المسافة بين طرابلس، الواقعة فى أقصى الغرب الليبى، وبنغازى، القريبة من الحدود الليبية الشرقية مع مصر، لنحو 1800 كيلومتر. يقول تامر بنبرة صوت متوترة: «الطريق متقسم بين مناطق نفوذ بين الميليشيات الإسلامية، وأنصار القذافى، والعصابات.. ولو فلتنا من حد فيهم هيمسكنا التانى».[ThirdImage]
ازدادت الأمور سوءاً بالنسبة لتامر عزت، ومعه سبعة آخرون، تعرضوا لحادث سرقة حقيبة تضم جوازات السفر الخاصة بهم.. «كنا بنخلص إجراءات السفر لمصر علشان إجازة رمضان، وفجأة تم توقيف سيارتنا من قبل مسلحين أطلقوا علينا الرصاص.. ولما توقفنا سرقوا الحقيبة اللى فيها الجوازات».
تصف منة ماهر، زوجة تامر التى تعيش بمصر، حال زوجها الذى «يعانى من صعوبة بالغة فى استعادة جواز سفره هو وزملائه.. حتى الشركة التى يعملون بها حاولت إصدار بدل فاقد لجوازات السفر بعد إثباتها حادث السرقة بمحضر رسمى لدى الشرطة الليبية، لكن الشركة فشلت فى ذلك».
فشلت شركة المصاعد، التى يعمل فيها تامر ورفاقه، فى استخراج بدل فاقد لهم، وتابعت زوجته: «مصر سحبت البعثة الدبلوماسية من قنصليتها فى طرابلس بعد حادث اختطاف الملحق الثقافى المصرى فى ليبيا قبل شهور، وبالتالى لا يمكن استخراج وثيقة عودة فى ظل عدم وجود ممثلين للخارجية المصرية فى ليبيا».
حاولت منة، زوجة تامر، استخراج وثيقة العودة لزوجها من وزارة الخارجية فى القاهرة، لكن أفراد البعثة الدبلوماسية المصرية فى ليبيا، الموجودين حالياً فى القاهرة، رفضوا إصدار بدل فاقد لجواز السفر أو وثيقة العودة لزوجها أو أى من رفاقه بدعوى «وجود أختام السفارة المصرية فى ليبيا فى مقر السفارة فى طرابلس».
تقول منة إن «زوجها ليس بمفرده هناك، وإنما يرافقه أخى محمد ماهر، الطالب بكلية التجارة ويعمل فى شركة المصاعد ذاتها».
تواصلت «الوطن» مع المدير العام لشركة المصاعد التى يعمل لديها تامر ومحمد وباقى زملائهما الذين سُرقت جوازات السفر الخاصة بهم، وأكد أحمد أبوبكر العنيزى، مدير الشركة: «لم أتمكن من استصدار أوراق رسمية تضمن لهم العودة، ولذلك سافرت شخصياً إلى بنغازى الليبية فى محاولة للتفاوض مع المسلحين المنتشرين بطول طريق طرابلس بنغازى ليسهل بعدها ترحيلهم عبر الحدود المصرية إلى السلوم».
ويقول السفير على العشيرى، مساعد وزير الخارجية لشئون المصريين بالخارج، إن: «وزارة الخارجية أعطت تعليمات لمنفذ السلوم بالسماح بدخول المصريين العائدين من ليبيا بأدنى متطلبات من المستندات، حيث يمكن للمصرى العودة بصورة جواز السفر أو أصل البطاقة الشخصية». وأشار العشيرى إلى أن المنفذ الوحيد المفتوح أمام المصريين فى ليبيا لدخول القاهرة هو المنفذ البرى فى السلوم.
تواصل الدكتور مصطفى حماد، المصرى الذى يعمل فى ليبيا، بحسب ما قاله لـ«الوطن» مع أكثر من 300 أسرة مصرية عالقة فى طرابلس فى غضون يومين فقط.
ويشير حمّاد إلى صعوبة الأوضاع المعيشية لتلك الأسر قائلاً: «طرابلس مفيهاش بنزين يعنى صعب على أى شخص قضاء مشاويره هو وأسرته.. غير أن الحالة الأمنية فى البلد أصبحت سيئة وبعد صلاة التراويح مفيش شخص يقدر يقف فى الشارع خصوصاً الأجانب، ومنهم المصريون، لأنهم مستهدفون من المسلحين.. وطبعاً كروت شحن التليفون شحّت من السوق ومفيش أنابيب بوتاجاز».
ويقول مساعد الخارجية لشئون المصريين بالخارج إنه «منذ تطور الأحداث الأخيرة فى ليبيا، وأغلب الدول أغلقت سفاراتها وقنصلياتها فيها، ومنها مصر وبالتالى هناك صعوبة فى التواصل مع الجالية المصرية فى ليبيا». موضحاً أن الوقت الحالى يشهد حصر أسماء المصريين العالقين بليبيا لتسهيل عودتهم إلى مصر.
طريق إضافى غير مباشر تدرسه الخارجية المصرية لإعادة المصريين العالقين فى ليبيا، وهو الطريق من ليبيا إلى مصر عبر الأراضى التونسية، ويقول العشيرى إن «الاقتراح يصطدم بواقع إغلاق السفارة التونسية فى ليبيا مما يصعب استخراج تأشيرات للمصريين إلى تونس لتقنين دخول المصريين العالقين إلى الأراضى التونسية ومنها إلى القاهرة عبر الخطوط الجوية».
وتنتظر الخارجية المصرية، بحسب العشيرى، موافقة رئاسة الوزراء لبدء التفاوض مع الجانب التونسى لاعتماد بروتوكول يسمح بدخول مصريين من ليبيا إلى تونس دون الحصول على تأشيرة دخول، ويختتم أن: «السفارة المصرية سيتم فتحها من جديد قريباً».
نجح الدكتور مصطفى حماد، الذى عَلِق لفترة مع أسرته، فى الرجوع مؤخراً إلى مصر من خلال «رحلة جوية نظمتها الخطوط الليبية من مطار معيتيقة العسكرى، الذى افتتح الجمعة، لغاية تنظيم بعض الرحلات المدنية بعد استهداف مطار طرابلس الدولى». تمّكُن أسرة حمّاد من العودة للقاهرة جاء عبر وساطة أحد معارفه للحصول على تذاكر إلا أنه يؤكد «فيه مئات المصريين عالقين إلى الآن فى ليبيا».