"العلم المصري".. "قهوة العيلة" بعيدا عن صخب المدينة
هدوء نسبي، يعم أرجاء المقهى، في شارع جانبي، بعيدا عن صخب وسط البلد، يجلس "الزبائن" على مناضد بلاستيكية، هاربين من ضوضاء المدينة، راجين التفكير وصفاء النفس والذهن، أو متجمعين كعائلة، تجنبا لمشاهد "شيشة البنات" و"ألفاظ الشباب" التي لا تتقبلها معظم الأسر المصرية.
في قهوة "العلم المصري"، الواقعة بأحد الشوارع المتفرعة من شارع معروف بوسط المدينة، يستقبلك "عم عبده" بابتسامة مرحبة تشعرك بأنك في بيتك، يسألك عما تريد، ليجلبه لك في سعادة تلبية رغبتك، منذ الستينيات وهو يقدم "المشاريب" بنفس الابتسامة، التي زادها رونقا، تجاعيد السنوات الطويلة، ومرارة الأيام القاسية التي مر بها، والدروس التي علمه إياها الزمن.
خدم "عم عبده" في الجيش لمدة 7 سنوات، إلا أنه اتجه للعمل "في القهاوي" مع بداية الستينيات، بعد إدراكه أن الدولة لم تفده بشيء، حيث كان متزوجا ويعول، ويعمل بـ240 قرشا ويسكن بـ8 جنيهات بالشهر، وبعد أن أحيل للمعاش أصبح يتلقى 470 جنيها لا تعينه على احتياجات أسرته وأبنائه.
عن رمضان زمان، يحكي الرجل الستيني لـ"الوطن" كيف كانت موائد الرحمن تملأ الشوارع، يفطر عليها الجميع في إخاء ومحبة، حتى أنه في عام 1993 كان يدرس طلبة إسبان بمصر، ويحضرون للإفطار معهم في الموائد، وكانوا يكتبون عن المحبة التي شعروا بها خلال شهر رمضان في مصر.. بنبرة أسى يوضح أن الأمر تبدل الآن إلى حد ما، فمن كان يقيم الموائد أصبح بحاجة للمال، وأصبح يحتاج بدل المائدة اثنين في بيته.
"وشوش الناس بقت كئيبة من بعد موت السادات، وكل مدى الأمر في تأخر" هكذا عبر عم عبده عن الناس التي عاصرها عبر سنين كثيرة، مستبشرا في السيسي خيرا، قائلا "مشوفتش وشوش ضحكت من 30 سنة، غير دلوقتي على إيد السيسي".
لا يعمل عم عبده مع "الغُرب"، فهو الآن بقهوة أبناء شقيقته، وعمه وأخيه لديهم قهاوي أخرى منتشرة بوسط البلد أيضا.. أسامة حامد، ابن أخيه، صاحب القهوة، الذي يعمل بها بصفة منتظمة منذ عام 1998، يوضح استفادة مقاهي شارع معروف عموما، ومقهاه بصفة خاصة، من سينما "أوديون" بالشارع المجاور، حيث يقضي رواد السينما أوقاتا ممتعة بالمقاهي بعد خروجهم.
يؤكد حامد كلام خاله، باختلاف "رمضان زمان" عن الآن، حيث كانت هناك "سيولة" في موائد الرحمن فيما قبل، وكان يشترك أصحاب المحلات والمقاهي في إقامة الموائد للمحتاجين، أما الآن وخاصة بعد الثورة، اختلف الأمر وأصبح الناس في حاجة، وندرت الموائد.
يضفي كأس العالم مذاقا آخر لرمضان هذا العام، حيث يكتظ المقهى بالزبائن من مشجعي الكرة، على مدار ساعات الليل بعد الإفطار، وتبدأ "القهوة" في استقبال زبائنها قبل الإفطار مباشرة، وحتى ساعات الليل المتأخرة، وبصفة عامة، يوضح حامد، أن عمل القهوة ينشط خلال شهر رمضان بعد حالة طويلة من الركود مقارنة بنشاطها فيما قبل.
وعن اختيار العائلات لهذه القهوة تحديدا، يقول حامد إنها منذ إنشائها عام 1967 وهي ذات طابع محافظ، لا تسمح بتجاوزات التعامل بين الشباب، أو التجاوز في الألفاظ، أو شرب وتناول أشياء مخالفة، الأمر الذي جذب لها فئات معينة، منها العائلات.