بروفايل| العيد.. فرحة
تفوح روائح الكعك والسمن، يلُح الصغار من أجل حفنة من السمسم أو قضمة من «الملبن»، تغرق النسوة حتى منابت الشعور فى مساحيق الدقيق، تضغط إحداهن العجين وتقطعه كوراً كوراً.. تزيد ثانية صوت المذياع «أهلاً أهلاً بالعيد.. مرحب مرحب بالعيد»، تنقش أخرى الكور بعد «تبطيطها».. يرتفع الصوت أكثر فأكثر «العيد فرحة.. يا سلام».. يحملن الصوانى إلى النار الموقدة، تتهافت الأيادى على الكعك المُحلى، تلتهب الأفواه والألسن لتذوقه. ويأخذ الناس زينتهم عند كل مسجد لأداء الصلاة.
تكتسى المدينة بالألوان والأضواء والزينة، ألعاب نارية ودمى فى أيدى الصبايا والصبية، عملات ورقية حديثة الطباعة مفرودة تنتقل من جيل إلى جيل، أطفال يرفهون عن أنفسهم بركوب المراجيح التى تسحب أرواحهم الخفيفة سحبات لذيذة وهى تهوى إلى الأرض، فتنعشهم وتسكتهم، لكنهم لا يلبثون أن يعاودوا صخبهم على ظهور الخيول والحمير التى يمتطونها، أو الدراجات التى تدفعهم كالسهام فى الهواء فتطير خصلات شعرهم وأطراف ثيابهم.
متطوعون بسترات فسفورية يتجولون فى مجموعات بين الشوارع، ومجندون شباب يحملون قضباناً رفيعة «خرزانات» من الخيزران اللاسع، الكل متأهب لاصطياد متحرشين يعتدون على فتيات.. هنا يتعكر صفو الصورة، صبية لم يجاوزوا الخامسة عشرة يطاردون فتيات لا يكبرنهم سناً.. ينتهكونهن دون اكتراث بما سيلم بتلك الفتيات من ضرر جسدى أو نفسى. لكن شيئاً من هذا رغم قسوته لا يعطل احتفالات العيد التى تدور تروسها دون توقف من التكبيرات وحتى يوم الإجازة الثالث التى أقرتها الحكومة رسمياً كعطلة سنوية ثابتة.
اثنتا عشرة تكبيرة فى ركعتين، فُرضتا يوم فُرض صيام رمضان على المسلمين فى العام الثانى للهجرة، وسنن متبعة منذ ذلك الحين، فقد أمر النبى أصحابه بأخذ الجديد من الثياب ومخالفة الطريق عند العودة من المسجد فى كل صلاة يوم العيد (العودة من طريق غير الذى سلكه المصلون إلى المساجد)، وفُرضت الزكاة وحُرّم فى ذلك اليوم الصيام.
«ما لى أراكم لا تُقلّسون» كلمات قالها الصحابى عياض بن زياد الأشعرى فى الأنبار العراقية، حينما وجد الناس لا يُبدون فرحة كافية بالعيد «فقد كانوا فى زمان رسول الله يفعلونه» أى يقلسون، والتقليس إظهار الفرحة بضرب الدف والغناء. «للصائم فرحتان» أولاهما فرحته بفطره. فقد حضّ النبى أصحابه على إبراز أمارات البهجة فى ذلك اليوم.
سافر عيد الفطر، من قلب الجزيرة العربية إلى بقاع دخلها الإسلام، فصُبغ العيد فى كل بلد بصبغة مختلفة، وفى مصر ارتبط العيد بإعداد الكعك منذ عهد الطولونيين (دولة أحمد بن طولون)، وكان كعك العيد فى تلك الحقبة يحضّر فى قوالب تأخذ شكل عبارة «كل واشكر»، وكان وزراء الدولة الإخشيدية يحشون كعك العيد بـ«الدنانير الذهبية» وسموه «افطن» نظراً للمفاجأة التى تنتظر آكليه.