بريد الوطن.. جنازتى أنا (قصة قصيرة)
بريد الوطن
كان المعهد الأزهرى القديم الذى شهد انتقالى من الطفولة للشباب، عبارة عن مبنيين كبيرين، أحدهما للمرحلة الإعدادية والآخر للثانوية، على ناصية شارعين، أحدهما شارع رئيسى مزدحم، والآخر شارع جانبى هادئ.
هبطت من السيارة مبتسماً لمرأى المكان الذى لم أره لسنوات، وقد هيّج فىّ ذكريات الطفولة البعيدة المحببة.
الباب مفتوح، ولمحت بعضاً من أصدقائى مجتمعين داخله، وجدت «مصطفى» أقرب أصدقائى وزميل المقعد، قابلنى بالأحضان ثم سحبنى بهدوء لنتمشى تحت الأشجار، وهمس: أنا أيضاً افتقدتك، لكن مالك لا تسيطر على ضحكاتك، أم أنك لا تعلم بما حدث؟ لقد وقع حادث لأوتوبيس يقل بعض أصدقائنا من الطفولة وهم فى طريق رجوعهم، ونحن مجتمعون هنا فى انتظار وصول جثمان أحدهم. لقد تملكنى الحنين للمكان، فلم أنتبه إلى أن اجتماع هؤلاء كان يجوز وقتها، ولم أتساءل ما الذى عاد ليجمعهم الآن وكل واحد منهم صار رب أسرة وأولاد، وكل منهم صار فى محافظة مختلفة، بل ربما فى دولة مختلفة.
هنا دقّقت فى الملامح، فاختفت منها طفولتها وعادت إليها التجاعيد الخفيفة والشعر الأبيض تناثر فى الرؤوس واللحى.
نظرت إلى «مصطفى» أتأمله، وتذكرت ما الذى دفعنى لاستقلال السيارة والمجىء إلى هنا فى المقام الأول، لقد حلمت أمس بهذا المكان خصيصاً، وهو ليس الحلم الأول، لكن هذه المرة كأن هناك منادياً ينادينى للعودة له.
أحمد الحسينى
يتشرف باب "نبض الشارع" باستقبال مشاركاتكم المتميزة للنشر، دون أي محاذير رقابية أو سياسية، آملين أن يجد فيه كل صاحب رأي أو موهبة متنفساً له تحمل صوته للملايين.. "الوطن" تتلقى مقالاتكم ومشاركاتكم على عنوان البريد التالي bareed.elwatan@elwatannews.com