رأس جدير.. معبر «رأس الشيطان»
هنا معبر «رأس جدير»، حيث لا يوجد سكان، ولا توجد حياة إلا لسائقى التاكسى، وتجار العملة، وكثيرٌ من ضباط الجيش والشرطة التونسية، ومئات المصريين الهاربين من جحيم ميليشيات ليبيا، يلهثون للهروب منه وكأنه رأس الشيطان، أو عالقين فيه وكأنهم فى بئر بل قرار.
لا نسمع فى مصر عن معبر رأس جدير الحدودى بين تونس وليبيا إلا عندما يفر أهلنا وأبناؤنا بلا زاد ولا مال من أتون حرب مستعرة فى ليبيا إلى المعبر الحدودى، آملين فى النجاة باحثين عن المأوى.
فى عام 2011، اتجهت أنظار العالم إلى المعبر الحدودى الذى شهد كارثة إنسانية، عندما نزح آلاف المصريين، ومن مختلف الجنسيات، نحو المعبر، هاربين من الحرب فى ليبيا بين قوات «القذافى» والثوار، والآن عاد المعبر الصغير إلى الأضواء مرة أخرى، عندما تدفّق عليه آلاف آخرون فارين من نيران الاشتباكات الليبية.[FirstQuote]
37 كيلومتراً عليك أن تقطعها عبر طريق تحفه أشجار الزيتون المزروعة بطريقة هندسية رائعة، من مدينة «بن قردان»، وحتى معبر رأس جدير، تشتهر المدينة الصغيرة بزراعة الزيتون وبمعاصرها التقليدية.
معظم أهالى المدينة يعملون فى الرعى والزراعة، وعلى طول الطريق إلى معبر رأس جدير تقابلك جراكن وبراميل البنزين الليبى المهرّب عبر الحدود.
قرية «الجميلة» هى آخر قرى مدينة بن قردان، تبعد عن المعبر حوالى 22 كيلومتراً، ولافتات محلات الصرافة وتجارة العملة وبراميل البنزين الليبى فقط على الطريق.
قال «على»، سائق السيارة التى حملتنا إلى المعبر: «هنا يعمل معظم الأهالى فى التهريب وتجارة العملة، كثيرٌ من أبناء الشرق التونسى يعتمدون على البنزين المهرّب من ليبيا، أسعاره أرخص كثيراً من مثيلها فى تونس، لتر البنزين فى تونس تصل تكلفته إلى دينار و650 قرشاً، فى حين يصل سعره بليبيا إلى 15 مليماً فقط، لذلك تجد عشرات السيارات الليبية تنقل البنزين المهرب يومياً من ليبيا إلى تونس».
وأضاف «على»: «هناك طريقتان للتهريب، إما من خلال ملء خزان السيارة وعدة جراكن وتهريبها، أو صناعة خزان إضافى فى الشنطة لتحميل كمية أكبر».
فى الكمين الأخير قبل المعبر إجراءات التفتيش صارمة، خصوصاً للخارجين من ليبيا تجاه تونس، وقال «على» السائق: «لم تكن على الطريق كل هذه الأكمنة، ولكنها زادت بصورة كبيرة عندما بدأ الليبيون يدخلون بأعداد ضخمة هرباً من الحرب.
وقد شددت تونس من إجراءاتها الأمنية فى ظل حربها على الإرهاب، حيث تعانى من مشكلات أمنية جمة فى مناطق وسط وجنوب وغرب تونس، خصوصاً فى جبل الشعانين المتاخم للحدود الجزائرية، التى وقعت بها حوادث شبيهة بحادث رفح، قُتل فيها قرابة 10 جنود، واتهمت السلطات التونسية جماعات أصولية تونسية مرتبطة بجماعات إرهابية تتلقى تدريبات بمعسكرات داخل ليبيا.
فى المعبر، اقترب منا فتى تونسى يحمل رزمة من العملات المختلفة «تريد صرف» كانت كلماته الوحيدة وكأنه لا يعرف من مفردات اللغة غيرها.
بين الحين والآخر تعلو أصوات الباعة، إما فى خلافاتهم مع الزبائن فصالاً وخلافاً على أسعار العملات، أو فيما بينهم فى خلافاتهم على الزبائن.
«أكثر العملات المتداولة هنا الدينار الليبى»، هكذا قال بائع العملة وتركنى، بمجرد أن علم أننى صحفى، وقال مرافقى «لا يريد لنفسه مشاكل، فتجارة العملة هنا ممنوعة، لكن سلطات الأمن تتركهم حتى لا تحدث مشكلات».
فى كل ركن تقع عليه عينك ستجد الأعلام التونسية الحمراء عالية إلا ركناً واحداً يجلس تحته عجوز تونسى يطلب نصف دينار من أجل استعمال الحمام الوحيد بالمعبر الذى يعج بالمسافرين من كل الجنسيات بعد توتر الأوضاع على الجانب الآخر.