سائقو النقل واللوادر: «جايين نبنى مصر من جديد»
مشهد متحرك يبعث على الأمل والبهجة فى النفوس، سيارات ولوادر لا تتوقف عن الحركة، عمال رائحون وغادون، أصوات كثيرة متداخلة، ماكينة عمل دائرة فى سرعة وانضباط، شمس حارقة تكوى الأجساد، ورمال صفراء تطارد الجميع، والجميع لا يعترضون، فقط يواصلون العمل وكلهم أمل ورغبة فى إنجاز المشروع الذى تعده مصر «قومياً»، يعمل به الآباء، ليستفيد منه الأبناء والأحفاد، هكذا يحلم الجميع.
تحت أشعة الشمس الحارقة، ووسط أصوات اللوادر والشاحنات، يقود محمد أحمد، 21 سنة، لودر لونه أصفر، بالقرب من نقطة بدء مشروع قناة السويس الجديدة بمحافظة الإسماعيلية، على بعد خطوات قليلة من المنصة الرئيسية التى أعلن منها الرئيس عبدالفتاح السيسى بدء العمل على شق قناة جديدة موازية لقناة السويس القديمة، ملامح محمد السمراء وجسده النحيف تظهره كشاب ثلاثينى، يعمل بشكل جاد، لا يتوقف عن العمل إلا عندما تتأخر سيارات النقل التى يحمّل فيها الرمال عن الوصول لمقر العمل، فيضطر لإيقاف محرك اللودر، وينتهز الفرصة ليحصل على قسط من الراحة.
بحماس شديد يقول محمد «أنا عرفت إن فيه شغل هنا عشان حفر القناة الجديدة، جيت على طول عشان آكل عيش هنا، أنا شغال بقالى 3 أيام، بآجى الساعة 6 الصبح، وباشتغل لحد الساعة 7 المغرب، باشتغل على لودر وباحمّل الرملة فى العربيات، العربية الواحدة بتشيل 11 متر، وباحمّل فى الوردية الواحد 100 عربية ويمكن أكتر، ببات فى الإرسال هنا، الناحية دى مبنى تبع صاحب اللودر عشان نيجى بدرى، بنفطر فطار عادى، ونتغدى كدة برضه، ولما بنروح الإسماعيلية سرابيوم بجوار أبوسلطان بناكل لحمة».[FirstQuote]
يضيف محمد قائلاً «مرتبى 1600 فى الشهر، لما سمعت عن المشروع بادرت وطلبت الحضور إلى هنا، أنا مبسوط إنى هنا، والشغل كويس لأن أغلب الناس متعاونين مع بعض، أنا سمعت عن خطاب السيسى الخاص بحفر القناة الجديدة، لكن لم أتابعه، المهندسين بيسلمونا الشغل ويحددوا أماكن الحفر، والحفر هنا نوعين، الأول الرمال العادية العالية، ثم الأرض الصلبة أو الصخرية، وهذه تتطلب أنواعاً خاصة من الحفارات والكراكات، أنا حاسس إنى شغال فى مشروع تاريخى وعظيم زى السد العالى بالظبط، وأنا شغال النهاردة افتكرت أجدادنا اللى حفروا القناة بالمقطف والفاس، وقلت لنفسى الناس حفرت القناة دى إزاى؟ كان الله فى عونهم، ده إحنا شغالين باللوادر ومش قادرين على الشغل فى الحر، مشروع حفر القناة الجديدة كويس جداً وإن شاء الله يتم على خير».
يحدق جيداً بعينيه فى طريقه، بوجهه الأسمر الذى يتصبب عرقاً، تظهر عليه ملامح الحماس فى العمل، يرسم بابتسامته خطوات البداية، فيجلس على مقعده داخل «اللودر» الذى يقوده، مستريحاً فى عمله، لديه شعور بالفخر لذاته، ذلك ما قاله سيد خليل الذى يبلغ 24 عاماً «أنا فخور بالعمل هنا، وعندى إحساس لا يوصف إنى بشارك فى المشروع التاريخى ده».
يرى سيد أن مشروع «قناة السويس الجديدة» سيوفر العديد من فرص العمل لكثير من الشباب، وأنه يمثل باباً جديداً نحو أمل البناء لمصر فى المستقبل، يعمل سيد على «لودر» يرفع به طوابق الرمال الكثيفة، ليحمّلها على سيارة النقل الثقيل، التى تقوم بنقلها إلى الأماكن المحددة، التى تمسى «مقلب حمولة الرمل».
يبدأ سيد ابن محافظة الإسماعيلية عمله فى السادسة صباحاً حتى السادسة مساءً، كما يقول، يأخذ خلالها ساعتين للراحة كى يتناول الطعام، يتقاضى عن عمله راتباً يبلغ 100 جنيه يومياً، فيما يقول سيد إنه يأخذ إجازة يومى الخميس والجمعة من كل أسبوع، ويعود إلى عمله صباح يوم السبت، يرى سيد أن العمل تسوده روح التعاون، والرغبة فى الإنجاز بين الجميع منذ اليوم الأول، قائلاً «الشباب هنا كلهم مبسوطين بالشغل رغم التعب، ونفسى مصر تبقى أحسن بلد فى العالم».
«مرتدياً طاقية على رأسه، قابضاً بيديه على سيارته، يتحرك مشارى أحمد (30 عاماً) فى سرعة لتفريغ حمولة الرمال، حتى يعود إلى حمل غيرها من جديد، مشارى جاء من مركز أبوحماد بمحافظة الشرقية، يقول إنه سمع عن حفر مشروع القناة الجديدة منذ أسبوعين، فجاء بصحبة مجموعة من زملائه للعمل كسائق نقل، يقوم بنقل الرمال من مكان الحفر إلى مكان تفريغ الحمولة على بعد كيلومتر.
يبدأ مشارى يومه بالاستيقاظ فى الساعة السادسة صباحاً كما يقول «بصحى الساعة 6 الصبح وأصلى، وأقول توكلت عليك يا رب»، العمل يكون فى المشروع 3 ورديات على مدار اليوم، مما يدفعه لأن يتخذ من سيارته مكاناً للنوم، طبقاً لتعليمات صاحب السيارة، متوقعاً أن العمل سيكون أكثر تنظيماً مما هو عليه الآن خلال الأيام المقبلة.
على مقربة من مشارى يقف محمد الشاب العشرينى، يقول إن لديه سيارة نقل خاصة به، يعمل عليها لدى أحد المقاولين، يشكو محمد من انخفاض سعر نقل متر الرمل، فيقول «المقاول بياخد سعر نقل متر الرمل من الجيش بـ7 جنيه، وإحنا بناخد 2 جنيه بس على المتر، وده جشع من المقاول مع السواق»، يضيف محمد قائلاً إن السيارة عادة ما يعمل عليها اثنان من السائقين على مدار اليوم، ولا تزال هناك بعض المشكلات التى تظهر على أرض المشروع، وأهمها عدم توفير الطعام والشراب بصورة كافية، الأمر الذى يرى محمد أنه كان لا بد من تجهيزه قبل بدء العمل، لكن محمد يرى أن عملهم فى هذا المشروع يعد واجباً مهماً تجاه وطنهم، رغم كل المشكلات الموجودة، التى يمكن حلها من وجهة نظره، قائلاً «فعلاً فيه مشاكل ونفسنا إنها تتحل، لكن الناس هنا بتشتغل فى المقام الأول عشان بلدها، وكمان عشان حاسة بقيمة المشروع ده، واللى هيبقى حكاية هيقدروا يحكوا عنها لولادهم لما يرجعوا».
نبيل عزت، الذى يبلغ من العمر 40 سنة، يعمل سائقاً على سيارة نقل، يقول إنه سمع منذ 3 أشهر، بأن هناك مشروعاً جديداً فى قناة السويس، وسيكون مشروعاً ضخماً، لعمل ممر ملاحى جديد موازٍ للقناة الحالية، الأمر الذى جعله يتجهز للعمل فى المشروع فور الإعلان عنه، وهو ما حدث بالفعل.
يواصل نبيل قائلاً إنه يتقاضى 3 آلاف جنيه شهرياً، وإن وجوده فى هذا المشروع يمثل له شعوراً بالفخر، لأنه يساهم فى بناء جزء مهم من هذا المشروع الضخم، الذى يرى أنه مشروع كبير سيساهم فى تقدم مصر، وأنه سيكون ذكرى يستطيع أن يحكى عنها لأولاده وأحفاده.
محمد عبدالله السيد، 27 سنة، من مركز أبوحماد محافظة الشرقية، يعمل سائق نقل منذ 7 سنوات، جاء إلى موقع حفر القناة منذ أسبوع، يقول إنه يعمل جاهداً للانتهاء من تجهيز نفسه للزواج بعد عيد الأضحى المقبل، يسير بسيارته فى رحلة قصيرة تبدأ من موقع الحفر إلى مقلب الرمال، الذى يقع على بعد كيلومتر واحد، فيفرغ حمولته، قبل أن يعود مرة أخرى لموقع الحفر.
يتحرك محمد فى هدوء ويتجه بالسيارة إلى المقلب على طريق أسفلتى حديث الإنشاء ومزدوج المسار، تسير عليه عشرات السيارات المحملة بالرمال ثم تعود من خلاله على مدار اليوم فى حركة كثيفة لا تتوقف.
يقول محمد مفتخراً «كنت هنا لما السيسى زار المنطقة وقعد فى المنصة وافتتح المشروع الكبير، أنا حاسس إن المشروع حاجة ممتازة، وهيدّخل فلوس كتيرة للبلد وهيخلى مستقبلها أحسن، وبيفكرنى بمشروع السد العالى، موقع الحفر هيكون من الإسماعيلية وحتى شرق التفريعة، الشغل مستمر لمدة 24 ساعة، وأنا باشتغل 12 أو 14 ساعة، لما بحس إنى تعبان بقعد أريح لحد تانى يوم، لكن أخويا جاى النهارده، وهيبدل معايا فى مواعيد الشغل، دى عربيتى وأنا شغال مع مقاول، وبنتحاسب بالمتر كل أسبوع، يعنى يوم الأربع أو الخميس بنكون مخلصين فلوسنا كلها، معانا عربية صغيرة بتطلع تجيب لنا أكلنا وشربنا، ممكن أعمل فى الوردية الواحدة 25 نقلة، ومدة النقلة متفاوتة، حسب التساهيل، يعنى ممكن تقعد 10 دقايق بالتحميل والتفريغ، وممكن تقعد ساعة لو كان المقلب مش جاهز».
يلقى السائقون حمولة السيارات على جانبى الطريق الفرعى الذى أقامه الجيش مؤخراً، لأنهم لا يستطيعون الدخول إلى مناطق أخرى مليئة بالرمال الناعمة، حتى لا تتعثر السيارة وتنزلق فى الرمال، حسب وصف محمد السيد، الذى أضاف قائلاً «حمولة السيارة النقل الفردية تتراوح ما بين 13 و20 متراً، وتقوم كل منها بالتزود بالوقود كل 12 ساعة أو كل وردية، ومن الممكن التزود بالوقود كل 24 ساعة، لا توجد أى مشكلات فى توفير الوقود هنا، لأن محطة وقود الوطنية التابعة للجيش بها سولار على مدار الـ24 ساعة، ولا يوجد بها زحام وقريبة من هنا جداً، يعمل العديد من المقاولين تحت إشراف الشركات الكبرى، وقد يستعين المقاولون بمقاولين آخرين من الباطن عند عدم قدرتهم على القيام بالمطلوب منهم ولسرعة إنجاز العمل، يعنى ممكن يكون المقاول الواحد معاه 20 عربية نقل». يشير السيد إلى الزحام الكبير على الطريق، ويقول مبتسماً «الطريق الأسفلت ده بكره هيكون مدق، لأن العجل كتير وشغال 24 ساعة وبيشيل حمولات تقيلة. لما بكون تعبان من الشغل بافتكر المصريين اللى حفروا القناة القديمة على أكتافهم وماتوا وهما بيحفروها، باستعجب من قوتهم ودرجة تحملهم، دول كانوا بيشتغلوا وبيتعذبوا وبيشيلوا على كتافهم ويمشوا فى قلب الصحرا من غير أكل وشرب، مش عارف كانوا عايشين هنا إزاى؟ ده إحنا راكبين عربيات وتعبانين من الشغل».