"فض رابعة" بعيون "الكادحين": الاعتصام "وقف حالنا"
ملامح بائسة أرهقتها الصراعات السياسية، وأيادٍ عاملة رسمت مشقة الحياة عليها خطوطًا واضحة، هكذا يبدو أصحاب المحال بمنطقة رابعة العدوية، تلك الطبقة البسيطة التي انقلبت حياتهم رأسًا على عقب في ليلة وضحاها، من أناس كانوا يزاولون عملهم في أمان إلى سجناء جالسين داخل بيوتهم يترقبون مشهد المظاهرات من بعيد ولا يتناهى إلى مسامعهم سوى دوي الرصاص من كل حدب وصوب، وأصوات هتافات المتظاهرين التي ترعبهم، أناس بسطاء أصبحوا طرفًا في صراع سياسي "لم يكن لهم فيه ناقة ولا دابة"، أناس لم يكن لديهم رغد العيش حتى يتمكنوا من الجلوس في بيوتهم وتخليص أنفسهم من الخوف الذي يتجدد بداخلهم في كل يوم، تخطوا فيه أقدامهم في طريق طويل حتى يصلون إلى عملهم في مخاطرة غير محسوبة العواقب.
رجل ضخم الجثة، تكسو نصف وجهه لحية بيضاء، تحمل بين ثنايا شعيراتها همومًا ومأسي لسنوات طويلة، مضى عامل البنزينة، الأب لـ6 أبناء، نصف عمره بين جنباتها بحثًا عن قوت يومه ويومهم.[FirstQuote]
كان يوم الـ28 من يونيو، نقطة سوداء في حياة عامل البنزينة، الذي توقف مصدر رزقه بسبب الاعتصام، فعقب زحف أنصار الإخوان من نحو مسجد رابعة للمكوث في اعتصامهم الذي استمر قرابة الـ47 يومًا توقفت الحركة في البنزينة، ولم يكن باستطاعة عمال البنزينة منعوا هذه الجحافل من الوقف أمام مصدر رزقهم.
"إحنا أرزقية وعايشين على الإكراميات، والاعتصام وقف حالنا"، بمرارة شديدة روى لنا الرجل الستيني، ذكريات أيام الاعتصام، فالمرتبات التي لا تتجاوز الـ600 جنيه لا تكفي لقضاء مسلتزمات الأسرة المكونة من 8 أفراد، أب وأم و6 أولاد، أكثر من نصف شهر قضيناها في ظروف مادية صعبة في رمضان والعيد.
يضيف: "جئت عقب الحريق بـ4 أيام، هناك خسائر فوق 5 ملايين جنيه، ووجدت مجموعة كبيرة من البضائع سرقت وامتد الحريق إلى واجهات العمارات المجاورة للبنزينة، وتم إطلاق طلقات نارية على بعض الطلبمات للبنزينة".
"الصندوق هو السبيل الشرعي لحصول أي فرد مظلوم على حقه"، عبَّر عامل البنزينة البسيط عن وجهة نظره تجاه ما حدث في الاعتصام، مضيفًا أن الجميع كان يشعر بالإهانة بسبب طريقة التفتيش التي كانوا يستخدمونها في مداخل المنطقة.
"دخلت اعتصام رابعة عن طريق أحد أصدقائي الساعة واحدة ونص بالليل، واتناقشت مع الناس جوا عشان أعرف بيفكروا إزاي واكتشتفت إن عقولهم مغيبة ومضحوك عليها باسم الدين، لأنهم بياخدوا فلوس عشان يكونوا معاهم في الاعتصام"، هكذا عبَّر صاحب أحد المحال الموجودة بالشارع المقابل للمسجد عن رأيه في اعتصام رابعة.
يروي ما سمعه أثناء جولته في خيام الاعتصام ويقول "سمعت عن جهاد النكاح من بعض الشباب الموجود داخل الخيام، قالوا أسماء الرجالة اللي اتجوزا بالطريقة دي وكأن الموضوع ده عادي"، حسبما وصف.
وما بين عين رأت وأذن سمعت وشفاه وصفت، تظل الكواليس الخفية لهذا المشهد المُهيب تائهة في الذكرى الأولى له.