«سميتُها شفا».. حكايات ولادات العزل في عيد الأم «اتحرمنا من أول حضن»
«شفا» أول مولودة في زمن الوباء بعزل إسنا
كريمة أول أم تضع مولودها في العزل
رضع غادروا أحضان أمهاتهم كرها، وحرموا من ضمة تهدئ روع أول صرخة لهم في الحياة، فقد خرجوا من ظلام الرحم إلى كابوس اسمه كورونا، نال من أواصر علاقة ارتباط روحي، اقتسما فيها الطعام سويًا لتسعة أشهر كاملة، بعد أن شاء حظهم أن يولدوا في زمن الجائحة، لتنتقص فرحة أمهاتهم، اللاتي لم يستطعن ضم فلذات أكبادهن إلى صدورهن، ولتضيع فرحة مراسم الولادة والسبوع المعتادة، بعد أن حالت بينهما حواجز زجاجية.
إصابة كريمة بـ«كورونا» في الشهر الثامن من الحمل واحتجازها في العزل
في عيد الأم الأول بعد عام كامل على وباء كورونا، ثمة أطفال اقتربوا من إتمام عامهم الأول، إذ كانوا في مثل هذا التاريخ من العام الماضي، على موعد مع الدنيا، في ظرف استثنائي هو الأول من نوعه، لتصبح تفاصيل ولادتهم سيرا تتحاكى بها أمهاتهم، راويات لحظات الخوف والرعب وقت الإصابة، وساعات اللعب والضحك بعد التعافي.
«كريمة» وأول مولودة في زمن كوورنا
في الأسبوع الأول من أبريل من العام الماضي كانت «كريمة مرعي» قد بدأت شهرها الثامن من حملها في مولودها الثالث، حتى داهم جسدها الوباء المستجد، ولم تكن أعراضه مألوفة على الجميع حينها، فقد ساورها الشك بعد ارتفاع حرارتها وحدة سعالها، لتذهب للطبيب الذي قال لها: «مصابة بالتهاب رئوي حاد يعني مصابة بفيروس كورونا» ليهتز كيانها كله من هذه الكلمات، «خوفت على الجنين ومكنتش عارفة هيحصل إيه»، تقول الأم الثلاثينية في بداية حديثها لـ«الوطن».
أيام قلائل قضتها الأم في مستشفى إسنا للعزل بمحافظة الأقصر، قبل أن يلاحظ الأطباء تدهور حالتها الصحية واحتياجها للتنفس الصناعي، حتى قرروا سرعة ولادتها بتدخل جراحي حرصًا على حياتها وحياة جنينها.
ارتباك داخل مستشفى إسنا للعزل لقرار إنهاء حمل الأم المصابة بكورونا
ولم يكن قرار الولادة سهلا، فلم يكن الأطباء وقتها - وقت الموجة الأولى - على دراية كاملة بالفيروسالذي كان لا يزال مجهولا وتخرج كل يوم أحدايث مختلفة بشانه، وبالتالي كان الارتباك في مستشفى عزل إسنا هو سيد الموقف، إذ كان لابد من اتخاذ قرار سريع وحاسم لابد منه لإنقاذ الأم وجنينها، وهو ما توجب على الأطباء وقتها الرجوع إلى اللجنة العلمية لمواجهة فيروس كورونا، لاستشارتهم في تلك الخطوة الأولى من نوعها في مصر في بداية الوباء: «كانت أول حالة ولادة جوا العزل على مستوى مصر وقرار إنهاء الحمل مش سهل.. الكل كان خايف من القرار ولكن كان لازم لأن الحمل مزود تعب الأم»، يقول الدكتور محمد كشك، أخصائي أمراض النساء والتوليد، مدير الفريق الطبي للعزل، الذي أجرى عملية الولادة الأولى لأم مصابة بفيروس كورونا.
إجراءات مختلفة اتبعها الأطباء لعملية الولادة الأولى في زمن الوباء، حيث قرروا وضع الأم داخل العناية بعد إتمام الولادة القيصرية، إذا لم يتحسن التنفس لديها، لكن وبعد الولادة تحسن التنفس لدى الأم، وخالفت حالتها ظنون الأطباء، «بعد الولادة اتحسن التنفس عندها ومكنش في حاجة إنها تدخل عناية»، يصف طبيب الولادة، الدكتور محمد كشك، حالة الأم بعد أن وضعت مولودها الثالث، والأول في زمن كورونا.
«شفا» اسم أول مولودة في زمن الوباء بعزل إسنا
«شفا» اسم اختارته الأم لطفلتها الثالثة، التي جاءت في ظرف عصيب لم تعتاده من قبل في طفليها السابقين «معاذ ومازن»، ولكن كلمة الوباء كانت أعلى من مشاعر الأمومة، فقد حال «كورونا» بينها وبين مولودتها، ولم تنعم بإحساس أول لمسة لها بعد الولادة، «كنت باشوفها من بعيد من ورا زجاج الحضانة، ماقدرتش ألمس بنتي غير بعد 25 يوما من ولادتها»، تروي الأم الصعيدية، كواليس الولادة الأصعب عليها والدموع تنهمر من عينيها.
وتروي السيدة عن أول لقاء جمعها بطفلتها، بالنظر فقط، قائلة لـ«الوطن»: «كنت باسمع صوت عياطها بس، وكان بيني وبينها ممر طويل في نهايته الحضانة» حتى انفطر قلب أحد الأطباء عليها وجرّ إليها سرير الحضانة، لبضع لحظات حتى تراها وتشبع عينيها بملامحها عن بعد، خوفا على المولودة من العدوى.
كيف تتم عملية الولادة في مستشفيات العزل
عملية الولادة للأم المصابة بفيروس كورونا، لا تختلف من حيث الخطوات المعروفة، وإنما تحتلف من حيث الإجراءات والاحتياطات التي يتبعها الطاقم الطبي لرعاية الأم ومولودها، وبحسب الدكتور إسلام العربي، أستاذ النساء والتوليد والمنتدب بمستشفى قها للعزل في القليوبية، فإنه يتم احتجاز المولود في الحضانة لوضعه تحت الملاحظة.
ووفق الطبيب، تخضع الأم الحامل المصابة بفيروس كورونا للتغذية السليمة داخل مستشفى العزل حتى يأتي موعد الولادة، وتختلف عن المصابين العاديين فقط في جرعات العلاج التي تتلقاها.
وبعد إتمام عملية الولادة داخل غرفة العمليات، تصطحب طواقم التمريض المولود إلى داخل الحضانة، إذ يخضع لأخذ عينة لإجراء التحليل الخاص بفيروس كورونا، وبحسب رواية العربي لـ«الوطن»: «لم يثبت حتى الآن انتقال فيروس كورونا من الأم المصابة إلى الجنين، وأغلب الحالات المولودة نتيجة العينة الخاصة بها سلبية».
وفي الثاني والعشرين من مايو الماضي، كانت الأم «كريمة» على موعد مع إعلان انتصارها على فيروس كورونا، لتأتي اللحظة التي انتظرتها طويلا، وهي اللقاء بطفلتها، التي حرمت منها طوال فترة إصابتها بكورونا: «اتحرمت من لمسها حوالي 22 يوم بحالهم أول مرة أولد واتحرم من ابني»، بحسب روايتها، حتى صرح لها أطباء العزل بالخروج وسط توصيات مشددة بالتعامل الأمثل مع المولودة.
ولم تنته قصة «كريمة» ومولودتها «شفا»، فقد كان على الأم الثلاثينية اتباع أسلوب معين في رعاية طفلتها بعد خروجها من العزل: «كانت بترضع صناعي طول فترة العزل ورفضت الرضاعة الطبيعي، واستعوضت ذلك بالمشروبات الساخنة المقوية لمناعتها بعد مرور عدة أشهر».
وبعد عام تقريبا، حيث ولدت الطفة في 16 أبريل الماضي، تؤكد الأم أنه عام صعب مر عليها وعلى طفلتها لكن حاوطتهما فيه العناية الإلهية، «الحمدلله صحتها جيدة وبخير»، بحسب وصف الأم.
«هالة» الطفلة الأولى بعد 10 سنوات من الحرمان لوالديها
ومن الأقصر إلى مستشفى كفر الدوار للعزل، كانت الأم «أسماء أبو زيد» ترقد على أحد الأسرة في غرفة العزل، بينما حان موعد ولادتها في الأسبوع الأول من يونيو الماضي، وللمفارقة فإن السيدة حملت في عام كورونا بعد سنوات عجاف ومحاولات مستمرة للإنجاب، وكانت الولادة فرصة منقوصة عاشتها الأم، إذ لم تتمكن من لمس مولودتها التي طال انتظارها بأمر«كوفيد 19».
«سميتها هالة.. على إسم وزيرة الصحة، ونفسي أشوف بنتي زيها في يوم من الأيام»، هكذا بدأ غازي جمال، زوج أسماء ووالد هالة، حديثه عن مولودته الأولى في العزل، بعد 10 أعوام من الحرمان، وهي فرحة عكر صفوها نبأ إصابة الأم بفيروس كورونا المستجد خلال شهرها التاسع، إلا أنها استفاقت من الولادة هي والمولودة على خير.
وقرابة عام مر على الجراحة الناجحة التي أجراها فريق طبي مكون من 4 أطباء و4 ممرضات تحت إشراف الدكتور محمد الشاذلي، أخصائي النساء والتوليد بعزل كفر الدوار، «البنت صحتها جيدة الحمدلله وماشتكتش من أي تعب بعد ولادتها والأم صحتها زي الفل»، بحسب وصفه.