سوق مولدات الكهرباء: تاجر لا يرحم.. ومواطن «لا حول له ولا قوة»
لا يخلو هذا الشارع العتيق من المترددين عليه لاحتوائه على السلعة التى يبحث عنها الكثير من المواطنين، بعد استمرار أزمة انقطاع الكهرباء فى أنحاء مصر، شارع الجمهورية بميدان رمسيس بالقاهرة، الذى يمتلئ بمتاجر المعدات الثقيلة التى تبيع مولدات كهربائية متوسطة الثمن، أزمة الكهرباء الحادة تسببت فى ارتفاع أسعار المولدات الكهربائية، خاصة المصنوعة فى الصين، لأنها الأقل سعراً والأكثر إقبالاً من المستهلكين، مما دفع بعض التجار للتلاعب فى الأسعار واستغلال حالة الاحتياج الشديد للمولدات بالمغالاة فى قيمة المنتج.
سليم جمعة، أحد المواطنين، الذى جاء إلى شارع الجمهورية كى يشترى مولداً كهربائياً بسبب تكرر انقطاع الكهرباء عن منطقة مسطرد التى يسكن فيها، يقول «جمعة» الذى يعمل مراقب جودة فى أحد المصانع الخاصة: النور بيقطع عندى فى البيت كل يوم 3 مرات، وعامل أزمة كبيرة جداً عندى فى الشقة، مبنعرفش نعيش بسبب انقطاع الكهرباء لأنها هى شريان الحياة والعيشة»، يؤكد الرجل الخمسينى أن تكرار انقطاع الكهرباء تسبب فى إتلاف بعض الأجهزة الكهربائية فى منزله، يقول: الأجهزة تعطلت بسبب الترددات المختلفة للكهرباء لما بتقطع وترجع، عشان كده التلاجة تعطلت وصلحتها بـ300 جنيه، المشكلة مش فى الأجهزة الكهربائية بس لكن تمتد الأزمة لمشكلة أخرى نعانى منها هى الحر الشديد الذى يخنقنى فى منزلى ولا أجد متنفساً لى ولأسرتى سوى تشغيل المراوح فى وقت الحر، لكن بعد فصل الكهرباء لا أجد حلاً سوى المولد».
يضيف الرجل الذى اقتنص فرصة إجازته من العمل فى يوم الجمعة كى يأتى لشارع الجمهورية ويشترى مولداً كهربائياً: «أنا شفت كتير من الأنواع منها الصينى الأقل سعر ومنها اليابانى الأغلى فى السعر، لكن اخترت الصينى لأنه أقل سعراً، أنا قررت أشترى ماكينة تولد 2 كيلو ونص بـ1700 جنيه، واستعجبت لما شفت ماكينة يابانى بنفس المواصفات بـ7 آلاف جنيه».
ويستكمل مؤكداً أن سعر المولدات ارتفع فجأة ليصل لأرقام خيالية بعد أزمة الكهرباء الأخيرة، واستغل التجار حاجة الناس الضرورية للمولدات وقاموا بالتلاعب فى الأسعار، ويقول: «أنا قادر أشترى المولد لكن إيه ذنب الناس اللى مش معاها تحرم من شرائه».
يلتقط طرف الحديث أشرف الشراكى، أحد الباحثين عن مولد كهربائى بنفس الشارع، قائلاً: إحنا احترنا، هنلاقيها منين ولا منين؟ أسعار كل حاجة رفعت، الأكل والشرب حتى الخدمة اللى بتوفرها الحكومة لينا محرومين منها، اللى هيا الكهربا»، يضيف الرجل الذى يعمل موظفاً بالقطاع الخاص: «مش عارف ليه أسعار المولدات ارتفعت بشكل مبالغ فيه، الماكينة اللى جارى اشتراها بـ1500 جنيه من شهر أصبح سعرها النهارده 1700 جنيه ليه؟ المفروض الحكومة لا تتركنا كمواطنين تحت استغلال التجار وما دام بتقطع النور علينا المفروض كمان إنها توفر لينا المولدات بأسعار رخيصة، لأن مش كل الناس هتقدر تشترى مولد» يصمت الشاب الثلاثينى قليلاً ويتابع: «أنا استلفت فلوس من الناس عشان أشترى مولد، لأن الكشافات كلها صينى ومفيش كشاف بيعمر لا غالى ولا رخيص».
شهرة هذا الشارع لا تقتصر فقط على سكان القاهرة بل تمتد إلى المحافظات الأخرى، يشير راشد الحسينى، الذى جاء من محافظة المنوفية كى يشترى مولد كهرباء، إلى أن هناك مهناً رزقها يتوقف إذا انقطع «النور» عنها، منها مهنة الحلاقة التى يعمل فيها، ويقول: «أنا شغال حلاق فى الأرياف، النور لما بيقطع ممكن يكون فيه زبون قاعد بيحلق بيفضل قاعد على الكرسى وأنا بتعطل لأن الزبائن بتكون منتظرة تحلق وممكن يفضل النور قاطع طول الليل».
ويستكمل: «أنا شفت الناس فى البلد اشترت مولد سعره كويس من فترة صغيرة، لما جيت القاهرة فى نفس المكان اللى اشتروه منه، لقيت سعره رفع مش عارف ليه، المفروض لما الإقبال يكون كبير على السلعة سعرها يرخص ميغلاش».
يوضح ممدوح البنا، من محافظة الغربية، أن استغلال تجار المولدات الكبار يتسبب فى ارتفاع الأسعار فى السلعة التى تصل لنا فى الأقاليم، لذا جاء إلى القاهرة حتى يشترى المولد بسعر أرخص، ويقول: «سعر ماكينة توليد الكهرباء عندنا فى الغربية أغلى من سعرها فى القاهرة، لأن التجار الكبار والصغار يريدون تحقيق أكبر مكسب لهم على حساب الناس الغلابة».
ويطالب «البنا» بضرورة أن تضع الحكومة ضوابط وقواعد لبيع المولدات الكهربائية حتى لا يستغل التجار الإقبال الشديد على المولدات ويرفعون الأسعار، كما يطالب جهاز حماية المستهلك بضرورة إلزام المستوردين بإعطاء المستهلك ضماناً ضد عيوب الصناعة، وإلزامهم بإجراء الصيانة الدورية لهذه الماكينات عن طريق توكيلات.
فى المقابل شهدت سوق الكشافات ارتفاعاً طفيفاً فى السعر مقارنة بالمولدات، لكن الأزمة التى يشكو منها المستهلكون رداءة المنتجات، لأنها رخيصة وأغلبها مصنوع بالصين، يقول رأفت عبدالله، متحدثاً عن معاناته مع الكشافات: «مفيش كشاف بيعمر أكتر من شهرين معانا فى البيت، الكشاف الكبير والصغير والغالى والرخيص كله باظ»، ويضيف: «أنا قررت أشترى ماكينة توليد كهرباء بعد ما اكتشفت إن الكشافات مبتحلش الأزمة، والحل هو المولد حتى لو كان سعره غالى بس مفيش مفر».
فى المقابل يدور جدل واسع بين المستهلكين والتجار فى شارع الجمهورية حول أزمة البنزين، وكيف سيحصل صاحب الماكينة على البنزين فى ظل المنظومة الجديدة التى تحاول الحكومة تطبيقها، ويتساءل إبراهيم صالح، بائع فى محل بيع معدات ثقيلة بشارع الجمهورية، عن كيفية حصول أصحاب الماكينات على البنزين فى المنظومة الجديدة، ويقول: «ماكينة توليد الكهرباء تستهلك فى الساعة لتر وربع تقريباً، يا خوفى لا الناس متعرفش تشترى البنزين، فى الحالة دى الماكينات هتكون ملهاش لازمة، أو الناس هتشترى لتر البنزين بـ6 جنيه، يبقى أحسن لهم يقعدوا فى الضلمة».
ويستنكر «صالح» حدوث استغلال من أصحاب المحال برفع الأسعار، مؤكداً أن التسعيرة ثابتة فى كل المحلات، لأن كل السلع مستوردة ويتحكم فيها المستوردون وليس لنا تدخل سوى فى تحديد هامش ربحى مناسب.
ويؤكد بيشوى حنا، صاحب محل بيع معدات ثقيلة بشارع الجمهورية، أن العبء على المواطنين فى الكهرباء بلغ ذروته فى شهر رمضان، وتجلى ذلك فى الإقبال الكبير على المحال، لذا حققنا نسبة مبيعات كبيرة جداً فى هذا الصيف، خاصة رمضان، وقال: «الأسعار غير ثابتة وتختلف حسب الإقبال عليها، لو ارتفع الإقبال عليها يرتفع سعرها قليلاً ولو انخفض ينخفض سعرها قليلاً، وقد يكون هناك إقبال عليها ولا يحدث ارتفاع فى السعر على حسب تحكم المستورد وتسعيرته» ويحدد «بيشوى» الأسعار قائلاً: عندنا ماكينة سعرها 500 جنيه يا دوب تشغل كشك فيه مصابيح، وفيه ماكينة بـ1000 جنيه تشغل تلاجة وثلاثة مصابيح، وفيه مولد بـ1700 جنيه يشغل شقة بكل محتوياتها مثل التليفزيون ومروحتين أو ثلاثة أو غسالة وثلاجة.