طفرة في استثمارات الأجانب بـ«أدوات الدين»
استقرار أسعار الفائدة من البنك المركزى أسهم فى تحقيق الاستثمارات الأجنبية طفرة فى «أدوات الدين» المحلى
حالة من الانتعاش أصبحت تسيطر على استثمارات الأجانب فى أدوات الدين المصرية فى الفترة الأخيرة بعد ما عانته أدوات الدين من تخارج وركود جراء تفشى فيروس كورونا الذى استطاع أن يضرب الأسواق العالمية والناشئة منذ مطلع العام والذى تسبب فى تخلى الأجانب عن الاستثمارات فى العديد من أسواق الدين حول العالم.
فخلال الأشهر الثلاثة بين مارس ومايو 2020 أو ما يسمى بالربع الأول من انتشار فيروس كورونا فى مصر، تراجعت استثمارات الأجانب فى أدوات الدين المحلية من نحو 28 مليار دولار إلى 10.4 مليار دولار فحسب، مسجلة بذلك انخفاضاً بنسبة 62.8% مصرية وبقيمة 18.4 مليار دولار فى مارس 2020. ولكن شهدت الشهور الماضية عودة الاستثمارات الأجنبية فى أدوات الدين المصرية للنمو والارتفاع مرة أخرى، وكان اللاعب الرئيسى فى ذلك استقرار أسعار الفائدة فى مصر عند 8.75% للإيداع و9.75% للاقتراض، لتقدم مصر بذلك عائداً حقيقياً مرتفعاً على أسعار الفائدة مقارنة بالدول المشابهة، وذلك على الرغم من قيام البنك المركزى المصرى بتخفيض أسعار الفائدة بنحو 400 نقطة أساس خلال عام 2020 لدعم القطاعات الاقتصادية فى مصر فى مواجهة جائحة كورونا. يأتى ذلك بالإضافة إلى استقرار سعر صرف الدولار فى مصر عند 15.65 للشراء و16.75 للبيع وهو ما يعطى ثقة وطمأنينة فى المعاملات الأجنبية مع الاقتصاد المصرى بشكل كبير. ودفعت هذه الأمور إلى نمو استثمارات الأجانب فى سندات وأذون الخزانة المصرية منذ شهر يونيو الماضى، حيث سجلت نمواً خلال النصف الثانى من 2020 بنحو 77.3%. وواصل الاستثمار الأجنبى فى أدوات الدين المصرية نموه خلال 2021، حيث بلغت قيمة إجمالى استثمارات الأجانب نحو 28.5 مليار دولار خلال فبراير 2021 مسجلة بذلك نمواً بـ6% مقارنة بشهر يناير الماضى الذى بلغت فيه الاستثمارات نحو 26.9 مليار دولار.
وهو ما جاء ضمن عملية استعادة رصيد الاستثمارات الأجنبية بأدوات الدين، التى وصفها وزير المالية الدكتور محمد معيط، باعتبارها كانت «نقلة كبيرة جداً» مقارنة بالوضع فى النصف الأول من 2020، الذى وصل فيه رصيد استثمارات الأجانب فى أدوات الدين المصرية إلى 10.4 مليار دولار نتيجة الهلع بين المستثمرين وسط إجراءات الإغلاق فى جميع أنحاء العالم نتيجة الظروف التى أحدثتها الجائحة.
«بلومبرج»: مصر تحتل المرتبة الثانية بعد فيتنام في أسعار الفائدة الحقيقية في تصنيف تضمن 50 اقتصاداً رئيسياً
وقالت وكالة بلومبرج فى تقرير لها إن استثمارات الأجانب فى أدوات الدين المصرية سجلت ارتفاعاً تاريخياً معاكسة اتجاه التدفقات الخارجة فى 2020 بسبب جائحة فيروس كورونا. وأشار تقرير «بلومبرج» إلى أن الإقبال على أدوات الدين المصرية يأتى مدفوعاً بارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية فى مصر، التى تحتل المرتبة الثانية بعد فيتنام من بين أكثر من 50 اقتصاداً رئيسياً تتبعها بلومبرج، بالإضافة إلى عوائد بنسبة 1.7% من نهاية ديسمبر الماضى. فيما توقعت مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» قيام البنك المركزى المصرى بتثبيت أسعار الفائدة خلال 6: 9 أشهر المقبلة من العام الجارى، الأمر الذى يشير إلى اجتذاب المزيد من المستثمرين الأجانب فى أدوات الدين المحلية خاصة مع خفض تكاليف الاقتراض.
وعلى جانب آخر وفى ظل التخارج المفاجئ للمستثمرين الأجانب من السوق المحلية وانخفاض استثماراتهم فى أدوات الدين المصرية ارتفع نصيب أذون الخزانة والسندات الحكومية من إجمالى أصول القطاع المصرفى إلى 39% فى يونيو 2020، مقابل 36% فى مارس 2020، فيما بلغ نصيب أذون الخزانة والسندات من إجمالى أصول القطاع المصرفى نحو 33% فى العام المالى 2018/2019 وذلك نتيجة احتواء القطاع المصرفى لتداعيات جائحة كورونا.
وزارة المالية تتجاوز الهدف المراد تحقيقه وترتفع بصافي إصدارات السندات المحلية إلى 110%
ومن جانبه قال محمد حجازى، رئيس وحدة الدين العام فى وزارة المالية، إن نسبة صافى إصدارات السندات من الطروحات المحلية ارتفع إلى 110% بنهاية فبراير الماضى، متجاوزة بذلك الهدف البالغ 80% الذى أرادت الدولة تحقيقه بحلول يونيو المقبل. وأوضح أن أدوات الدين الجديدة التى من المقرر إصدارها خلال الأشهر المقبلة من العام الجارى من المتوقع أن تجتذب المزيد من المستثمرين الذين لم يدخلوا السوق المصرية من قبل، كما ستضاعف استثمارات الأجانب الموجودين حالياً، مشيراً إلى أن مصر تسعى إلى تسوية دينها المحلى بواسطة «يوروكلير بنك إس إيه» Euroclear Bank SA فى بلجيكا، خلال العام الجارى.
واستكمل حديثه بأن مصر نفذت طرحاً للسندات الدولية بقيمة 5 مليارات دولار خلال شهر مايو الماضى، كما طرحت أيضاً فى أكتوبر الماضى سندات خضراء لأول مرة فى تاريخها بقيمة 750 مليون دولار، ولقى الطرحان إقبالاً كبيراً من المستثمرين.
«سوليد كابيتال»: إقبال المستثمرين الأجانب على أدوات الدين المحلية يعزز الثقة فى الاقتصاد و«هيرميس»: مصر ما زالت سوقاً جاذبة للاستثمارات الأجنبية غير المباشرة بين الأسواق الناشئة
فيما يرى محمد رضا، الرئيسى الإقليمى لبنك الاستثمار سوليد كابيتال - مصر، أن إقبال المستثمرين الأجانب على شراء أذون الخزانة والسندات الحكومية التى تطرحها مصر، هو بمثابة ثقة كبيرة فى الاقتصاد المصرى، ويعزز الثقة فى جذب الاستثمارات الأجنبية من الخارج، كما أنه يعزز أيضاً من إيجابية التصنيف الائتمانى. وأوضح أن سبب تراجع استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة المصرية خلال الثلاثة أشهر الأولى من تفشى فيروس كورورنا فى مصر يرجع إلى تخوف مديرى الصناديق الاستثمارية من تناقص حجم العملة الأجنبية، خاصة عند بداية تحويل أموالهم من الجنيه إلى الدولار. وتابع «رضا» أن ما يميز سوق أدوات الدين عن أسواق المال أن الأولى تتميز بمخاطر أقل وجاذبية أعلى وهو ما انعكس على الاستثمارات الأجنبية فى أدوات الدين الحكومية فى مصر، والتى تعد الأعلى تاريخياً، موضحاً أن مصر ستكون السوق الأقل تضرراً والأكثر جاذبيةً وأماناً على مستوى الأسواق الناشئة فيما يخص سوق الدين.
وفى سياق متصل قال محمد أبوباشا، كبير محللى الاقتصاد الكُلى بالمجموعة المالية «هيرميس»، إن البيئة الاستثمارية عالمياً تشهد حالة من الضبابية، فى ظل بداية الموجة الثالثة من فيروس كورونا، مضيفاً أن حالة الضبابية بمثابة فرصة لجذب السوق المصرية لأكبر عدد من المستثمرين الأجانب خاصة أنها الأكثر استقراراً حتى الآن فى التعامل مع فيروس كورونا واتخاذ الحكومة دوراً كبيراً فى الوضع الاستثمارى.
وأوضح أن مصر ما زالت سوقاً جاذبة للاستثمارات الأجنبية غير المباشرة (الأذون والسندات) بين الأسواق الناشئة، حيث تقدم الآن للمستثمرين أعلى عائد حقيقى على الاستثمار فى أدوات الدين المحلى، وبالتالى فإن العائد مجزٍ بشكل كبير للمستثمرين الأجانب خاصة مع انخفاض العائد فى العديد من الأسواق الأخرى. وتابع «أبوباشا» أن مصر قامت بطرح إصدارين بالدولار منذ بدء جائحة كورونا، إضافة إلى التوقعات المستقرة للتصنيف الائتمانى المصرى من جانب أكبر ثلاث وكالات للتصنيف، مضيفاً أن كل ذلك عزز من تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، التى تمثل حالياً 9.4% من إجمالى الحيازات بالجنيه. وذكر أن خفض أسعار الفائدة إشارة جيدة لجذب الاستثمار الأجنبى المباشر بشرط إزالة بعض المعوقات أمام المستثمرين، لافتاً إلى أن الاستثمارات المباشرة والاستثمار فى أسواق المال سيكونان الأكثر تأثراً خلال الفترة القادمة، فى حين تأثر الاستثمارات فى سوق الدين سيكون بشكل طفيف، نتيجة لجوء الدول إليها كمصدر استراتيجى للتمويل لتعزيز التدفقات الأجنبية من ناحية، وتخفيف أثر مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص فى الحصول على التمويل المصرفى من ناحية أخرى.