أقرب طريق إلى صوت المواطن معدته
«أقرب طريق إلى صوت المواطن معدته».. قاعدة يتبعها عدد من مرشحى الرئاسة الحاليين ومحترفى الدعاية فى معظم المواسم الانتخابية، فكما كان توزيع السلع الغذائية على المواطنين وبيعها بأسعار مخفضة -خاصة فى الأحياء الشعبية- سمة رئيسية للانتخابات البرلمانية الأخيرة، عادت هذه الورقة للظهور فى انتخابات أكثر سخونة يتم فيها اختيار أول رئيس جمهورية بالانتخاب الحر المباشر.
ولجأت أحزاب كبيرة لديها منافسون فى الانتخابات ومرشحون مستقلون لتوزيع سلع غذائية على المواطنين أو إقامة شوادر لبيعها بأسعار مخفضة فى خليط من الدعاية وعمل الخير. ويعتقد محمود العسقلانى، رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء»، أن استخدام حاجة الناس وفقرهم لتحقيق مكاسب سياسية هو عمل غير إنسانى وغير أخلاقى وغير شرعى، فيما يقول الدكتور عبدالمطلب عبدالحميد، أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية: إن هذا الخليط من الدعاية وعمل الخير حوَّل شعار الإخوان وذراعهم السياسية حزب الحرية والعدالة من «نحمل الخير لمصر» إلى «نحمل السكر والزيت والدقيق لمصر».
ويقول العسقلانى إن أحد أعضاء «الحرية والعدالة» طلب منه توريد كميات من اللحوم السودانية التى تباع بـ39 جنيها للكيلو، إلا أن الحزب قام ببيعها بـ35 جنيها، أى أقل بـ4 جنيهات من سعر السوق للحصول على دعم وتأييد الناخبين. ويؤكد أن مثل هذه الخطوات مشروعات قصيرة الأجل تستهدف بطون الناخبين وليس عقولهم.[Image_2]
من جانبه، يكشف عمرو عصفور، نائب رئيس شعبة المواد الغذائية بغرفة القاهرة التجارية، عن أن «موسم الانتخابات الرئاسية رفع الطلب على بعض السلع بنسبة 25%»، مشيراً إلى أن موسم الانتخابات الرئاسية أسهم فى زيادة الطلب على عدد من السلع الرئيسية، يأتى السكر والزيت والدقيق فى مقدمتها، فضلاً عن بعض أنواع البقوليات، موضحاً أن ارتفاع الطلب فى الفترة الأخيرة تسبب فى زيادة أسعار السكر 50 جنيها للطن ليصبح 4550 جنيها بدلا من 4500 جنيه فقط، والزيت من 7850 جنيها إلى 8 آلاف جنيه للطن، والأرز من 2900 جنيه إلى 3 آلاف جنيه للطن.
ويؤكد نائب رئيس شعبة المواد الغذائية أن المنافذ التى يلجأ إليها مرشحو الرئاسة لتوفير السلع الغذائية تختلف من مرشح لآخر؛ فعلى سبيل المثال تلجأ فئة من مرشحى الرئاسة، وتحديداً الذين يمتلكون أرضية جيدة فى المناطق الشعبية، إلى كبار التجار فى تلك المناطق، مثل السيدة زينب وعابدين وغيرهما، للحصول على كميات ضخمة من المواد الغذائية لتوزيعها بالمجان أو بأسعار رمزية على مواطنى هذه الأحياء، مشيراً إلى أن هذه الفئة من المرشحين تتخذ من كبار التجار وسيلة لتكثيف دعايتهم؛ فكلما زاد عدد البضائع المسحوبة زاد دعم التاجر للمرشح.
أما الفئة الثانية فيمثلها المرشحون الذين لا يمتلكون الأرضية التى تمكنهم من الحركة فى الأحياء الشعبية بالقدر نفسه، فيلجأون إلى السلاسل التجارية الكبرى مثل «كارفور» و«هايبر وان» و«مترو» وغيرها لتوفير السلع الغذائية بأنواعها.
ويشير عصفور إلى أنه على الرغم من انتعاش الطلب نسبيا بسبب الموسم الانتخابى فإن مسألة قيام التجار بعمل عروض خاصة لحملات مرشحى الرئاسة أمر يختلف من تاجر إلى آخر ويخضع فى النهاية لآليات العرض والطلب، فمن الممكن أن يبقى تاجر على أسعار البيع كما هى فى الوقت الذى يقوم فيه تاجر آخر بخفض الأسعار إذا زادت كميات البضائع المتعاقد عليها.
ويتهم محمد عبدالحليم، تاجر، حزب الحرية والعدالة ببيع سلع تموينية من خلال شوادرهم المنتشرة فى عدد من المحافظات، موضحاً أنهم حصلوا عليها من المنازل بمختلف القرى والنجوع، خاصة فى المناطق الفقيرة بالصعيد والوجه البحرى منذ عدة أشهر، مستغلين احتياج المواطنين للمال.
وقال إن أعضاء الحزب وجماعة الإخوان المرتبطة به عرضوا شراء أى كميات خلال جولات لهم بـ«التوك توك» على المنازل. وأضاف: لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل عرضوا أيضاً على أصحاب محلات البقالة شراء السلع التموينية مقابل أى مبالغ يحددونها.
وأكد أنهم يقومون بتجميع هذه السلع وإعادة بيعها للمواطنين بأسعار مخفضة بهدف الحصول على أصواتهم فى الانتخابات.
من جانبه، أكد الدكتور محمد أبوشادى، مستشار وزير التموين، أن أى سلعة تعرض فى شوادر تخضع للرقابة، مؤكداً وجود حملات على الأسواق والشوادر التى تعرض سلعاً غذائية فى الشارع. وأضاف أن المتاجرة بالسلع التموينية مخالفة للقانون وتعرض صاحبها للغرامة.
وأكد الدكتور عبدالمطلب عبدالحميد أن الوضع الذى تمر به البلاد يجعل الحكومة تغض الطرف عن الممارسات التى تقوم بها الحملات الانتخابية بالشارع، الممثلة فى إقامة الشوادر الخاصة ببيع السلع الغذائية بأسعار مخفضة للمواطنين كوسيلة لاجتذاب أصواتهم. ويضيف أن الوضع الأمنى يجعل مسئولى المحليات ومفتشى التموين يحجمون عن الدخول فى صدام معهم.
وقال إن أحد جوانب هذه الشوادر هو تحدى الحكومة وتقديم رسالة مفادها أن باستطاعتهم التفوق عليها وإحراجها من خلال توفير السلع الغذائية للمواطنين بأسعار منخفضة.
واعتبر عبدالمطلب هذا العمل نوعا من «الرشاوى غير المعلنة»، مضيفاً أن ما تحقق لهم من نجاحات فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى بهذه الطريقة لن يتحقق فى انتخابات الرئاسة. ويوافق محمود العسقلانى على أن إقامة شوادر للحوم والسلع الغذائية ما هى إلا رشاوى انتخابية، معتبراً أن ما يحدث هو إعادة إنتاج للحزب الوطنى الجديد بصورة أسوأ.
فى الاتجاه نفسه، يقول الدكتور حمدى عبدالعظيم، الرئيس السابق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية: إن بيع الأحزاب للسلع الغذائية واللحوم فى شوادر بأقل من سعر تكلفتها للتأثير على الناخبين نوع من الرشوة الانتخابية. وتقع مسئولية مواجهة هذه الممارسات على عاتق اللجنة العليا للانتخابات.