الحركة الطلابية في عهد "ناصر".. من السرية إلي أقصى مساحات الحرية
"لم يلعب الطلاب دورًا في الحركة الوطنية مثل الدور الذي لعبه الطلاب في مصر". مقولة للمؤرخ الفرنسي والتر لاكير، وهو ما ترجمته الأجيال المصرية بدءًا من مساندة الطلاب للزعيم مصطفى كامل عام 1905 ودعوته للاستقلال وإنشاء الحزب الوطني، وبعد وفاة مصطفى كامل تبعه محمد فريد في الحفاظ على الطلبة وتنظيم الإضرابات والاعتصامات الطلابية ضد الإنجليز، مرورًا بالدور الضخم للطلاب في ثورة 1919 لمناصرة زعيم الأمة سعد زغلول وطلب عودته من المنفى، رغم العنف الذي لاقوه من قوات الاحتلال، وحتى تكاتف الطلبة حول جمال عبدالناصر، صاحب الحلم العربي والذي اتسم بروح الثورة، في مواجهة الاحتلال، وحينئذٍ كانت القوى الأربع (الشيوعية والوفدية والإخوان المسلمين والحزب الاشتراكي "مصر الفتاة") تحتل الساحة السياسية في مصر، وخاصةً بين الطلاب، حتى جاءت ثورة يوليو وأنشئت هيئة التحرير الاشتراكية في يناير 1953، والتي استقطبت عددا كبيرا من الطلاب كما استقطبت أعضاء هيئة التدريس.
صار العمل السياسي داخل الجامعة يتسم بالسرية في عهد عبدالناصر، وهو ما يناهض الشخصية الثورية التي عُرِفت عن عبدالناصر، ولم يتم استئنافه إلا في الستينات، غير أنه كان مقتصرًا على أعضاء الاتحاد الاشتراكي العربي ومنظمة الشباب، أما القوى السياسية الأخرى فغير مسموح لها بالعمل السياسي، واستكملوا اجتماعاتهم سرًا.
وبعد هزيمة يونيو 1967 والأحكام الهزيلة التي حكم بها على الضباط المتسببين في النكسة؛ عبَّر طلاب حلوان عن غضبهم أولًا وإعلان ثورة على النظام، وفي طريقهم إلى القاهرة تصدت لهم قوات الأمن في 21 فبراير، وعندما وصلت أنباء حوادث حلوان إلى القاهرة أخذ سخط طلاب الجامعات يعلو، واجتمعوا بأحد مدرجات كلية الآداب جامعة القاهرة، وأصدروا قرارًا بتشكيل لجنة لرفع رأيهم في الأحكام وفي حوادث حلوان، واجتمع معهم مدير الجامعة لاحتواء الموقف ومناقشة مطالبهم، وظلوا مجتمعين لليوم التالي حتى حضر لهم وزير التعليم العالي واجتمع بهم لمدة أربع ساعات، وتعدى الطلاب حدود الحديث عن حلوان فقط ليتناقشوا في الحريات العامة وما حدث في "النكسة"، كما أصروا على ضرورة رفع أرائهم للرئيس عبد الناصر لثقتهم التامة فيه.
ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد أُلقي القبض على بعض أعضاء اللجنة التي شكلها الطلاب، وهو ما أثار غضب الباقين، الذين اتجهوا في مظاهرات إلى كوبري الجامعة رافعين شعارات السخط والغضب، ومنعت قوات الأمن طلاب الطب وهم في طريقهم لزملائهم. في نفس الوقت اشتعلت المظاهرات في جامعة عين شمس، واستقبلت قوات الأمن الطلبة بكل عنف في ميدان العباسية، لكنهم اخترقوا حواجز الأمن واتجهوا إلى ميدان التحرير.
وعند منتصف الليل اتخذ مجلس الوزراء قرارًا بالعفو عن الطلاب الذين تم القبض عليهم وتنفيذ مطالبهم، وصدر قرار رئيس الجمهورية رقم 1532 لسنة 1968 بشأن تنظيم الاتحادات الطلابية منفذًا لهذه المطالب، كما بدأت الجامعة تموج بالحركة، وعاد الطلاب يعبرون عن آرائهم بحرية داخل الجامعة، وارتفعت يد منظمة الشباب عن الجامعة، وسُمِح بالعمل السياسي في أرجاء الجامعات المصرية.