بالفيديو| نجيب محفوظ في حوار نادر: بحس في "الحسين" إني عايش في أكتر من عصر في وقت واحد
البساطة عنوانه، والوصف الدقيق صديقه، والتفاصيل تملأ جوارحه، الحديث وقور، والحكي شيق، واللغة سهلة، والذاكرة حاضرة، لا تشعر في الحوار بأنه "نجيب محفوظ"، الأديب العالمي صاحب "نوبل"، وإنما مَن يحدِّثك رجل مثلك، يعيش في "الحارة" و"الزقاق"، ويجلس على "المقهى"، ويعايش البسطاء والأعيان، وكل الأطياف، ويخرج على الورق "قصة" و"رواية"، تبهر العالم، وترسخ مبدأ "الغوص في المحلية يصل بك إلى العالمية". [FirstQuote]
في حوار إذاعي نادر، مع الإذاعي عمر بطيشة، كان "حوار الإنسان والمكان"، للروائي العالمي نجيب محفوظ، ليحضر بروحه في ذكراه.
عمر بطيشة: ما هو المكان الذي تلقَّى نجيب محفوظ طفلًا؟
محفوظ: كما تعلم القاهرة القديمة، أو حي الحسين، بحواريه وأزقته وميادينه وآثاره والمساجد والأضرحة، وأيضًا بأهله نساء ورجال، بمجاذيبه وشحاتيه، وكل الزيطة بتاعته، مفيش شك أن الإنسان اتعجن فيه وتشربته روحه، ويمكن معرفش عشقه له إلا لما تركه، لأنه لما كان عايش فيه، كان مهتم بحياته العادية، دون أن يشعر بمكان لها ميزات خاصة، هي دي الدنيا كلها، لما روحنا حتت تانية، ابتدى يحن لمنطقته، رجوعي للحي القديم كان بإلحاح أشد من أيام ما كنت فيه، شعرت بعشقه حقيقة بعد ما سبته، أنا ولدت ونشأت فيه، وقعدت فيه لسن 9 سنين. [SecondQuote]
بطيشة: ما هي أهم معالم هذا الحي ومقوماته وشخصيته بين الأحياء الأخرى؟
محفوظ: ليه ميزات متلقهاش في غيره، معاصر بحكم الزمن، لكن تلاقيه مختلط بتاريخ قديم جدًا سحبه معاه، ومحافظ أيضًا على معالمه ورموزه الأساسية، وكأنك عايش في أكثر من عصر في وقت واحد.
بطيشة: أشهر معالم الحي إيه؟
محفوظ: المساجد والأزقة والبوابات والحمامات والبيوت القديمة في نسقها والأسبلة.
بطيشة: إيه مميزات أهل الحسين؟
محفوظ: المصريون كلهم وحدة، ومفيش ميزات هنا مش هتلاقيها في حتة تانية، ولكن المحافظة على العادات والتقاليد هنا أشد، وترابط الأسر والعائلات شيء شبه مقدس.
بطيشة: وماذا عن الفتوات؟[ThirdQuote]
نجيب محفوظ: عاصرت الفتوات، ومن نفس النافذة اللي شفت فيها ثورة 19 في أولها، شفت خناقة الفتوات، كانت تبقى بالليل الزفة بتاعة العرسان، دي أحسن فرصة علشان التارات القديمة بين الفتوات، ما هي الزفة دي طالعة من حارة رايحة حارة تانية فيها فتوات لهم تار مع حارتنا.
عمر بطيشة: وفين بقية الشخوص اللي التقيت بيها في هذا الحي ومن رفق منهم بذاكرتك؟
محفوظ: بتوع الطرق الصوفية، وكان بيتبعهم المجاذيب رجالًا ونساءً، عند الباب الأخضر في الحسين.
عمر بطيشة: قلت إن "الحسين" مكان بيجمع أكثر من عصر في وقت واحد، فهل نقلت خالة المزج دي في أعمالك؟
محفوظ: أنا نقلت الاهتمام بالمكان بجانب الزمان، لأن مفيش مكان من غير زمان.
بطيشة: وماذا عن الحارة في حياتك؟
محفوظ: حتى في "أولاد حارتنا" لما حبيت أعمل مكان بديل للدنيا أو لمصر، اختارته حارة بردة، بكون في أحسن أحوالي لما بكون في الحارة.
بطيشة: وعدتنا بوقفة مع قصص الفتوات، وأشهر حكايتهم اللي أثرت في حضرتك؟
محفوظ: وأنا في الحي العتيق بالجمالية، كنت أعرفهم معرفة سطحية، ولكن لما روحت العباسية، بجوار أشهر فتوة في مصر وقتها "عرابي"، اللي لو شفت شكله ومهبته، لو تلبسه في بدلة يطلع زعيم، كان نفوذه ضخم جدًا، وفضل على هذا النفوذ، لدرجة إن "عرابي" حمى قدامنا مرة مأمور بوليس، وعلى قهوة "عرابي" كان ييجي الأعيان والبشوات، وكانوا بيقعدوا عنده لحاجاتهم ليه أيام الانتخابات، فهو كان ملك الحسينية، وشوف الحسينية كام صوت في الانتخابات.
بطيشة: الكاتب الكبير نجيب محفوظ، مَن الذي جسَّد شخصية الفتوة في السينما كما تمنيت؟
محفوظ: لاحظ، أنا مش بشوف سينما بسبب عينيا من زمن كبير، لكن زمان فريد شوقي والمليجي، كانوا أحسن ناس عملت دور الفتوة، وعلى فكرة أنا استعملت الفتوة كغطاء لمعانٍ أخرى، زي "الحاكم" و"الزعيم"، والحرافيش كانوا هما البذرة اللي بيطلع منها شخصية الفتوة.
بطيشة: ومين الحرافيش بقى في حياة نجيب محفوظ؟
نجيب محفوظ: أصدقاء جمعهم الفن والأدب، وأحمد مظهر هو اللي أطلقها عليهم أعضاء الحرافيش، جزء رحل إلى جوار الله، وجزء اعتزل أو تصوف زي "مصطفى محمود" كان من الحرافيش، مش فاضل منهم غير 4 أو 5 "أحمد مظهر، وعادل كامل، وتوفيق صالح وبهجت عثمان، ومحمود شبانة".