دينا عبدالفتاح تكتب : .. جاء دور «البحث العلمي»!
دينا عبدالفتاح
كل تجارب التنمية التى نفذتها الدول الرائدة على مستوى العالم مرت بالمرحلة التى تمر بها مصر حالياً، وهى تلك المرحلة التى تنجح فيها الدولة فى تنفيذ سلسلة إصلاحات مالية ونقدية، وتبدأ رحلة جديدة مع الإصلاح الهيكلى.
ويعد الإصلاح الهيكلى بمثابة عملية تستهدف تعديلات فى هيكل الإنتاج والنمو والاستثمار.
تتسم هذه المرحلة ببناء الهوية الاستثمارية، وتحديد القطاعات التى ستقود الاقتصاد فى المستقبل، وتحديد الرهانات الناجحة التى ستهتم بها الدولة خلال السنوات المقبلة، أخذاً فى الاعتبار الإمكانيات المحلية وطبيعة الموارد، والمتغيرات الخارجية وشكل السوق العالمى.
هذه المرحلة التى نمر بها الآن تتسم فى كل تجارب التنمية بالاهتمام المتزايد بالبحث العلمى، فى مختلف المجالات، وتحفيز المنشآت الاستثمارية الكبرى على امتلاك مراكز بحثية متطورة، وتحفيز الصناعات المعقدة على الخروج عن فكرة استيراد التكنولوجيا من الخارج، لبناء تكنولوجيا جديدة خاصة بها.
وهنا لا بد أن تقود الدولة هذه العملية بنجاح، وأتصور أنه حان الوقت لإلزام المؤسسات الاستثمارية الصناعية الكبرى بضرورة امتلاك مراكز بحثية متعمقة، لتطوير منتجاتها، وضرورة تعزيز مشاركة شركات الأدوية فى البحث والتطوير، وضرورة قيام الجامعات المصرية بدور ريادى فى ربط عملية البحث بالصناعة، واستخدام البحث العلمى كوسيلة فعالة فى تطوير مخرجات الصناعة المصرية بمختلف مجالاتها الفرعية.
ولا بد أن تتدخل الدولة لتدعم الشركات الكبرى التى تسجل مراكزها البحثية براءات اختراع جديدة، ويجب أيضاً أن يتناول الإعلام فى مصر تطور عملية البحث العلمى، وأن يسلط الضوء على تطور الباحثين والإنجازات التى يحققونها من وقت لآخر لكى يكون ذلك إحدى أهم وسائل تشكيل الوعى، وتشجيع النشء والشباب على فكرة العمل كباحث متخصص فى مجال معين، يقوم بدراسة آخر ما توصل إليه العالم فى هذا المجال ومن ثم الإضافة عليه.
ولا شك أن مصر تمتلك قدرات بشرية هائلة فى مختلف التخصصات وتحديداً التخصص الهندسى، فقد حققت كليات الهندسة بجامعات القاهرة وحلوان وعين شمس والإسكندرية تطوراً ملحوظاً فى مستويات التعليم بها خلال السنوات الماضية، واستطاع طلاب هذه الكليات انتزاع مراكز متقدمة فى المسابقات العالمية التى أجريت على مدار الفترة الماضية.
وقد تكون تلك هى النواة التى يمكننا أن نبدأ منها، وذلك من خلال تشجيع البحث العلمى والتطبيق فى المجالات الهندسية المختلفة، باعتبار أن «الهندسة هى أم الصناعة»، وأن نجاح كليات الهندسة فى تخريج كوادر فنية متميزة يعد بمثابة الخطوة الأولى فى بناء صناعة مصرية متطورة.
وذلك على غرار ما تم فى العديد من دول العالم التى أنتج باحثوها صناعات وطنية تألقت على المستوى العالمى، ومن أبرز النماذج فى هذا المجال كوريا الجنوبية، التى حققت طفرة كبيرة فى الصناعات التكنولوجية المتطورة، وكذلك النموذجان اليابانى والصينى، ومؤخراً النموذج الماليزى المتطور، وسنغافورة والهند وغيرها من البلدان الناشئة التى يتوقع لها العالم مستقبلاً صناعياً متميزاً.
وتمتلك الجامعات المصرية مراكز بحثية على أعلى مستوى، ولكن قد ينقص هذه المراكز بعض الإمكانيات التى تتيح تنفيذ التجارب التطبيقية على الأبحاث العلمية التى تم التوصل إليها، وبالتالى لا بد أن تتدخل الدولة لتوفير هذه الإمكانيات، ولا بد أن يبدأ القطاع الخاص المصرى شراكة مع المراكز البحثية بالجامعات، ويستخدم مخرجات هذه المراكز فى تطوير الصناعات المختلفة، وأن يشارك مع هذه المراكز فى تحمل النفقات، باعتباره سيستفيد من النتائج أو المخرجات.
كما تمتلك الدولة مراكز قوية رائدة فى البحوث المختلفة، ولعل الوقت المناسب جاء لكى تعزز الدولة من اهتمامها بهذه المراكز، وأن تدعم كوادرها مادياً وعلمياً وأن توفر كافة الظروف المهيئة لتطور العملية البحثية بداخلها.
نهاية إذا استثمرنا البحث العلمى فى المرحلة الحالية بشكل جيد، أتوقع بل أثق أنه فى غضون 10 سنوات سيكون هناك منتجات مصرية رائدة تحمل اسم مصر فى كل أنحاء العالم.