فيكتور رزق الله: نحتاج إلى «تخصص محدد» لكل جامعة
قال الدكتور فيكتور رزق الله، أستاذ الهندسة المدنية بجامعة «هانوفر» الألمانية، عضو المجلس العلمى الاستشارى للرئيس عبدالفتاح السيسى، إن مصر الجديدة لن تتغير «فى يوم وليلة»، مطالباً المصريين بـ«الصبر» حتى يجنوا ثمار المشروعات التى يجرى تدشينها حالياً فى البلاد، وأن «يراعوا ضمائرهم» فى كل شىء.
كما أعرب «رزق الله»، فى حوار لـ«الوطن»، عن استنكاره لأوضاع التعليم ما قبل الجامعى فى الوقت الراهن، وأن يكون هناك طلبة لا يستطيعون بعد تخرجهم فى الثانوية العامة أن يكتبوا «جملة واحدة مفيدة»!
و«رزق الله»، لمن لا يعرفه، أكاديمى من أصل مصرى، وُلد بالقاهرة عام 1933 فى حى «الأوبرا» القديم بوسط العاصمة، وتعلّم فى مدارس فرنسية، ثم ترك مصر إلى ألمانيا منذ نحو 50 عاماً، حيث حصل على بكالوريوس الهندسة المدنية عام 1958 من إحدى الجامعات الألمانية، ثم درجة الدكتوراه فى 1968، وتقلّد العديد من المناصب الأكاديمية، ومنها منصب أستاذ الإنشاءات والبنية التحتية بجامعة «هانوفر»، حتى وصل إلى عمادة كلية الهندسة بالجامعة نفسها.. وإلى نص الحوار:
■ سألناه: كيف ترى حال التعليم الجامعى فى مصر الآن؟
- لا جدال أن مُخرجات التعليم الجامعى فى الوقت الراهن، كما كانت فى السابق على مدار أعوام طويلة، غير مفيدة للبلد بأى شكل من الأشكال، لأن معظم الطلاب لا يمتلكون بعد تخرّجهم، الإمكانيات العلمية والعملية التى توازى التقدّم التكنولوجى الراهن فى العالم الآن، فالهدف هو أن يدرس الطالب ما يستفيد به علمياً فى حياته العملية بعد تخرّجه فى الجامعة، وهو -مع الأسف- الدور الغائب للتعليم العالى.
والأمر فى العملية التعليمية داخل الجامعات لا يتوقف على الكم فقط، ولكن لا بد أن يحصل الطالب على ساعات تحصيل دراسى معينة تواكب التطور التكنولوجى، علماً بأن التغيير السريع فى التكنولوجيا يتطلب تغييراً موازياً فى طبيعة المناهج والدراسات العادية، لذا لا بد من الاهتمام بالدراسات العليا مثل الماجستير والدكتوراه، لأنها مهملة للغاية، كما لا بد أن تعتمد حصيلة الطالب بعد تخرّجه فى الجامعة على أحدث المعلومات فى مجال تخصصه، وبالتالى يؤدى مهمته بإتقان، ويستطيع أن ينقلها إلى الأجيال الجديدة.
■ هل ترى أن التعليم العالى فى مصر يحتاج إلى إصلاح جذرى؟
- طبيعة التعليم العالى لا بد أن تتغير، لكننى أعلم جيداً أن ذلك لن يحدث فى خلال أشهر أو سنوات قليلة، فالمسألة تحتاج إلى وقت طويل، إذ لا بد من تغيير نظام التعليم العالى ككل، وهذا التغيير يشمل تكثيف مواد معينة، وأن يكون لكل جامعة تخصص معين، وأن توجد «منافسات» حقيقية بين الجامعات المختلفة، وهو أمر غير موجود فى مصر نهائياً.
■ وما رؤيتك لأحوال التعليم «ما قبل الجامعى»؟
- الحقيقة أننى لم أكن متابعاً لأحوال التعليم العام فى مصر عن كثب وبشكل وثيق، ولكن الذى أعلمه أن عدد الطلبة داخل الفصل الواحد فى المدارس الحكومية يتعدى 60 طالباً، وهذا عدد كبير لا يمكن أن نجده فى أى مكان على مستوى العالم، ومن المفترض ألا تتعدى كثافة الفصول 30 طالباً، ولا بد من دعم المنزل للطالب، تربوياً وتعليمياً، وعلى الأسرة أن تساعد المدارس فى مهمتها القومية، وأن يعلم الأمهات والآباء أطفالهم «النظام والضمير»، فقد فقدنا الكثير من صفاتنا الأصيلة على مدار العقود الماضية بسبب غياب النظام والضمير.[FirstQuote]
ومن الملاحظ أن الأسر القادرة مادياً تستطيع تعليم أبنائها بشكل جيد، أما غير القادرة فهى -بكل أسف- لا تستطيع أن توفر لأطفالها التعليم المناسب، وهذه طريقة غير سليمة تخلق مجتمعاً متفاوتاً فى الفكر، وكما أنها غير منطقية بالمرة، إذ يجب أن يحصل جميع أفراد الشعب على تعليم موحّد وجيّد، وألا يتوقف الأمر على إمكانيات الأسرة المادية من عدمه.
■ وفق رؤيتك، ما أهم مشكلات التعليم حالياً؟
- هناك مشكلات كثيرة، فالغريب مثلاً أننا نجد طلبة لا يستطيعون بعد تخرجهم فى الثانوية العامة أن يكتبوا «جملة واحدة مفيدة»، على الرغم من أن البداية الحقيقية للتعليم الصحيح هى فى المدارس، والجامعة تعتبر مرحلة تالية، لهذا لا بد أن نبدأ مع الطالب من البداية، من التعليم الأساسى وما قبل الجامعى.
ومسألة «الدروس الخصوصية» من المشكلات الكبيرة التى تعوق جودة التعليم فى مصر، ويجب العمل من أجل التغلُّب عليها، وأنا على علم أن ذلك سيكون على مدار فترة زمنية طويلة، وليس على المدى القصير، ولكننا يجب أن نبدأ الآن، وليس غداً.
■ فما «المشكلة الأكبر» التى تواجه مصر الآن فى تقديرك؟
- المشكلة الأكبر التى أشعر بها شخصياً هى أن كم المشكلات التعليمية الموجودة حالياً أكبر بكثير من عدد الحلول المطروحة، كما أن الدولة ليست لديها الإمكانيات المادية التى تساعد على حل هذا الكم الكبير من المشكلات، وليست المعضلة الوحيدة فى مصر الآن هى التعليم فقط، فالبلاد تعانى بسبب مشكلات كثيرة فى الوقت الحالى، منها ما هو متعلق بالصحة والطاقة وغيرها، وهى ليست وليدة اليوم، بل هى نتاج تراكمات كثيرة على مدار عقود طويلة، فنحن لدينا الكثير من المشكلات التى تحتاج إلى حلول حاسمة.
وعلى الرغم من أننى لست طبيباً، فإننى أشبّه الوضع الراهن بمريض يعانى من أمراض كثيرة، مثل القلب والمرارة والكبد، لذلك فإن علينا أن نختار المشكلة الأكبر، ونسعى إلى حلها أولاً، وفى تقديرى أن الحل لهذه المشكلات الكثيرة هو علينا أن نبدأ بتعلم «النظام» فى حياتنا، وعلى الأسرة -كما أسلفت- دور مهم مع المدرسة لخلق جيل جديد.
■ ما متطلبات الفترة المقبلة فى رأيك؟
- الفترة المقبلة تحتاج إلى تضحيات كثيرة من الشعب، ومصر لديها إمكانيات غير مستغلة تتمثل فى جيوش الأميين، فلا يكفى أن نذكر أن عدد الأميين فى مصر «كبير» بشكل استثنائى دون أن نجد لهم حلاً، مع العلم أن من الممكن أن يوجد شخص أمى، لكنه يمتلك من الذكاء والموهبة الكثير، وأضرب لذلك مثلاً بـ«الترجمان» الموجود فى الأماكن الأثرية، الذى يستطيع التحدث بأكثر من لغة مع أنه لا يجيد القراءة والكتابة.
■ ما طبيعة عمل المجلس الاستشارى للرئيس السيسى.. وهل ستقتصر مهمته على تقديم الاقتراحات أم وضع الخطط البديلة؟
- نحن، كمجموعة استشارية، لنا توجهات عديدة، وكل واحد منا يفكر بطريقة معينة، وحسب طبيعة تخصصه العلمى فى مجال ما، وسنقدم العديد من الاقتراحات والحلول للمشكلات التى تعانيها مصر منذ زمن طويل، وسيتم عرض الاقتراحات على أعضاء المجلس الاستشارى، ومن ثم عرضها على الرئيس السيسى مباشرة.
ولأننا ما زلنا فى البداية حتى الآن، فسيتم وضع برنامج يتم العمل بمقتضاه خلال الفترة المقبلة، خصوصاً أن معظم أعضاء المجلس يعيشون فى خارج مصر، وستكون هناك اجتماعات للمجلس بشكل دورى، لكن لم يتم تحديد مواعيدها بعد، لأن المقابلة الأولى مع الرئيس كانت بمثابة «تعارف»، وكل واحد منا سيُقدم اقتراحات تفيد الدولة على المدى البعيد.
■ مم يتكون المجلس الاستشارى الرئاسى؟
- اللجنة مكوّنة من 16 عالماً وخبيراً، ويوجد بيننا ود متبادل، خصوصاً أن معظمنا يعرف بعضه بعضاً، ووجود لجنة من هذا النوع، وعلى هذا المستوى تحت إشراف الرئيس، مسألة مهمة، لأن اقتراحاتنا لن تواجه أى عراقيل حكومية، وجميع أعضاء المجلس الاستشارى من الأشخاص الذين عاشوا فى مصر فى وقت كانت الحياة فيه منظمة جداً، والناس كان «عندها ضمير»، حينما كان لدينا هدف واحد، وأتمنى أن يجتمع الشعب المصرى مرة أخرى على هدف وطنى موحد، هو التقدّم وتنمية البلد.
■ هل هناك مشاريع جديد سيتم تقديمها للرئيس «السيسى».. وهل سيشعر المواطن العادى بتحسُّن ملحوظ؟
- المشاريع الجديدة التى سيتم اقتراحها والعمل عليها خلال المرحلة المقبلة ستعمل على تحقيق نهضة اقتصادية كبيرة فى السنوات المقبلة، وهى من شأنها حال تنفيذها أن تقلل أعداد العاطلين الموجودين فى البلاد، ولكن علينا أن نعتصم بالصبر، وألا نتعجّل الأمور، لأن أى مشاريع يتم إنشاؤها حتى فى أوروبا لا تعنى أن ينتعش الاقتصاد فى ظرف شهرين أو ثلاثة، لكن الأمر سيُحقق عائداً على المدى البعيد، وسيكون عائده الاقتصادى كبيراً، لذلك فإن على الشعب المصرى أن «يصبر».