نائب رئيس المكتب السياسى لحركة حماس لـ«الوطن»: قبول المبادرة المصرية فى بداية الحرب كان يعنى «انتصار إسرائيل»
قال موسى أبومرزوق، نائب رئيس المكتب السياسى لحركة حماس: إن الموقف المصرى خلال حرب الـ50 يوماً على قطاع غزة يختلف كثيراً عن تعامل الدولة المصرية وموقفها خلال حرب 2012، التى عُرفت بـ«عمود السحاب»، مؤكداً فى الوقت نفسه تقدير الحركة لدور مصر وأهميته، باعتبارها «رأس العرب»، حسب وصفه.
وأضاف «أبومرزوق»، فى حواره لـ«الوطن»، كأول حوار صحفى لجريدة مصرية عقب انتهاء الحرب على غزة فى 26 أغسطس الماضى: إن المبادرة المصرية التى قُدمت فى الأسبوع الأول للحرب رفضتها «حماس» لأنها كانت ستؤدى لإعلان العدو الإسرائيلى انتصاره، وتجاهلت المطالب الفلسطينية. وأشار إلى أن الحركة تجرى حالياً ما يُعرف بـ«إعادة تقييم ومراجعة» لفترة الحرب لمعرفة مكاسبها وخسائرها.
وقال: إن ما تردد خلال فترة الحرب عن وجود مبادرة طرحتها دولة قطر أو تركيا بشأن حل الأزمة «غير صحيح»، مؤكداً أنه كانت هناك أفكار أمريكية مطروحة خلال تلك الفترة لحل الأزمة، لكن «حماس» واصلت اتصالاتها بمصر إيماناً بدورها وأهميته، وأكد أن مصر لم تتخلَّ عن القضية الفلسطينية طيلة الـ60 عاماً الماضية.. وإلى نص الحوار..
■ هل تجرون عملية تقييم ومراجعة لموقفكم خلال حرب الـ50 يوماً مع إسرائيل؟
- نعم، وهذا شىء طبيعى، أى إجراء، سواء كان سياسياً أو عسكرياً أو اقتصادياً فى فترات معينة بحاجة إلى إعادة قراءة وتقييم للاستفادة منها فى الأيام المقبلة، ونحن نعتبر أنه من الضرورى أن يكون هناك مراجعة وتقييم فى الحرب والعدوان الذى جرى على غزة، والعدوان الذى استمر 50 يوماً، وهى أطول حروب العرب على الإطلاق مع إسرائيل، خاصة أننا نتحدث أيضاً عن آلاف الشهداء ومئات الجرحى، وآلاف البيوت التى هُدمت، ووضع معيشى واقتصادى صعب، وهناك أحداث تبدلت وتغيرت، نتحدث حتى على المستوى العالمى، فأيضاً بحاجة إلى إعادة قراءة وتقييم والنظر إلى كل خطوة من الخطوات، وأعتقد أيضاً أن العدو أجرى عدة دراسات حول تقييم أعمال الحرب، ويمكن أنه كان لديه إجراءات سريعة، منها عزل قائد اللواء الجنوبى، وهو قائد المنطقة الجنوبية المجاورة لغزة، وعزل بعض القادة العسكريين نتيجة فشلهم.
■ هل انتهيتم من هذه المراجعات؟
- لا، هذه عملية تأخذ بعض الوقت.
■ وهل المؤشرات الأولية تقول إن «حماس» كانت على صواب، سواء سياسياً أو عسكرياً، واتخذت الإجراءات الأمثل؟
- لا يوجد شىء يمكن فعله على الشكل الأمثل؛ لأن كل أمر يوجد أفضل منه، وبلا شك أن عملية المراجعة لا تزال فى بدايتها، لدراسة كل الأحداث والمواقف، والاستفادة مما مضى، وستكون هذه العملية مفيدة لنا عند الانتهاء منها. [FirstQuote]
■ وما تقييمك الشخصى لموقفكم أثناء الحرب، سواء ما نجحتم فيه أو ما أخفقتم فيه أيضاً؟
- كانت هناك كثير من النقاط البارزة التى ظهرت وكانت غير مسبوقة فى الساحة الفلسطينية.. على سبيل المثال: تماسك الجبهة الداخلية والتحامها بالمقاومة، لدرجة أنك تتحدث عن عدد هائل من البيوت والمصابين، ومع ذلك شاهدنا تمسكاً بالمقاومة وإفشالاً لخطط العدو الذى أراد أن يفصل المقاومة عن حاضنتها الشعبية، وبالتأكيد هذا إنجاز ضخم جداً، ثانى الإنجازات الضخمة وغير المسبوقة، ما ظهر فى الحرب البرية ودور المقاومة فيها، نتيجة إبداعات المقاومة على جميع الأصعدة، هذه الحرب البرية غير مسبوقة ولأول مرة تنتقل الحرب إلى خطوط حدود العدو، ونقاط التقارب مع العدو تصل إلى درجة الصفر، والالتحامات بلا شك مميزة وكانت عظيمة وأذهلت العدو.
أما حول المسار السياسى، فظهر لأول مرة وفد فلسطينى موحّد، وهذا غير مسبوق منذ عام 1948 حتى اليوم، لم نر وفداً فلسطينياً موحداً على هذا المستوى، وبلا شك رأينا وشاهدنا إنجازات أخرى كبيرة، لكن بجانب ما نجحنا فيه، هناك أيضاً البعض من الأشياء المؤلمة، مثلاً كانت هناك أعداد كثيرة من العائلات فنيت بكاملها، وهى حالة من الإجرام غير المسبوق، أن تقرر إعدام عائلة بكاملها، أو تنفيذ عمليات قتل للأطفال بالجملة، مثل حادث شاطئ غزة وقتل عدد من الأطفال بلغ 12 طفلاً، و4 آخرين على الشاطئ، أنت تتحدث عن أعداد غير مسبوقة بمثابة جرائم حرب ضد الإنسانية بحق مدنيين، خاصة أن ثلث الشهداء من الأطفال.
■ هل كان هناك إخفاق على المستوى السياسى أثناء الحرب على غزة؟
- بلا شك، إن معركة مثل الحرب الأخيرة على غزة، هى نوع من أنواع السياسة، ولكن سياسة عنيفة، وكان العمل السياسى الحقيقى متمثلاً فى المعركة وأطرافها وجوانبها المختلفة، لم يكن هناك عمل سياسى حقيقى تستطيع أن تقيّمه، وكان الصوت هو صوت المعركة فى غالبه، باستثناء كيفية تعامل المقاومة مع المبادرات المختلفة فى تلك المرحلة، ولم يكن هناك دور غير التواصل المستمر مع المجتمع الدولى من أجل السعى لخلق رأى عام يدعم المقاومة ويدين العدوان الإسرائيلى على غزة.
■ ولماذا تأجلت المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية إلى نهاية أكتوبر المقبل؟
- لا، شهر أكتوبر هو شهر الأعياد بالنسبة لليهود، سواء الأعياد المحزنة بالنسبة إليهم، أو الإيجابية، ولذلك تأجلت المفاوضات لآخر الشهر، وحتى انتهاء فترة الأعياد.[SecondQuote]
■ المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى أعلن قبل يومين تصفية شابين فلسطينيين يشتبه فى أنهما قاما باختطاف وقتل 3 مستوطنين يهود قبل اندلاع الحرب، هل يمكن أن يؤثر هذا على سير المفاوضات؟
- من هما هذان الشابان؟
■ لم يسمهما، لكنه أعلن ذلك لوسائل الإعلام، ربما يقصد حادثة الخليل.. إلى أى مدى يمكن أن يؤثر ذلك على المفاوضات؟
- هو يدين نفسه بنفسه، يقتل بدم بارد على الشبهة، يروى الرواية ثم يورّط نفسه كقاضى تحقيق وقاضى تنفيذ فى الوقت نفسه، أعتقد أن الضفة الغربية تحت الاحتلال، والطريقة التى يمارس بها القتل غير قانونية وغير إنسانية وجريمة بشعة، وصحيح أن الشعب الفلسطينى يحتفى بشهدائه ويقدرهم تقديراً عالياً، ورأيتم أماً تحمل نعش ابنها الشهيد، مسرورة به، لكن هذه التصريحات العنجهية تحمل إدانة صريحة، لا شك فيها.
■ هل «حماس» كانت تملك ألا يصل عدد الشهداء الفلسطينيين إلى هذا الرقم الضخم؟
- كيف هذا؟
■ من خلال قبولكم للمبادرة المصرية منذ إعلانها.
- المعركة ظهرت خلالها عدة مبادرات، لكن اعتذرنا عن المبادرة المصرية الصادرة فى سابع يوم من الحرب، لأن المبادرة لم تكن مناسبة فى هذا الوقت، وكانت ستنتهى بانتصار للعدو الصهيونى، وهذا ما لا نقبله، وقررنا استكمال المعركة، والمقاومة أدت عملاً بطولياً، وإذا وافقنا على المبادرة فى بداية الحرب كان يعنى انتصار إسرائيل.
■ هل تقصد أن قبول المبادرة المصرية وقت الحرب كان سيؤدى إلى انتصار إسرائيل؟
- نعم.. كان سيعلن العدو انتصاره فى الوقت الذى نقبل فيه المبادرة، لأنه حقق كل ما يريده من الحرب الذى أعلنها، قتل من شاء ودمر من شاء بالطيران، ولم يدخل أى معركة حقيقية على الأرض، وبالتالى قبلنا وقف إطلاق النار تحت شروط مناسبة، وبالتالى لم تكن هناك أى فرصة لادعاء أنه انتصر فى الحرب، والنص على وقف إطلاق النار فى المبادرة المصرية، كان يتحدث عن فتح المعابر فى ظل توافر الأجواء المناسبة، وهذا غير متوافر فى تاريخ الصراع، بمعنى أنه لن تُفتح أى معابر، ولن يتطرق إلى أى شىء يتعلق بإعادة الإعمار، رغم أن ما حدث كان عدواناً، ولم تتطرّق المبادرة إلى كل القضايا المتعلقة بمطالب الشعب الفلسطينى لإنهاء الحصار أو المنطقة العازلة أو ما إلى ذلك من شروط طالبنا بها، وبالتالى كان قبولنا بالمبادرة سيكون عبئاً على الشعب الفلسطينى شديد الوطأة، وكان العدو سيعلن أو ينجح فى ضربته وأن يؤدب الشعب الفلسطينى ومقاومته، ولذلك اعتذرنا عن قبولها.[ThirdQuote]
■ ولكن لماذا رحبت «حماس» بالمبادرة القطرية على حساب الدور المصرى، فيما يتعلق بوقف الحرب على غزة؟
- وأنا أسألكم فى مصر: «ما أصلاً المبادرة القطرية؟».
■ المبادرة تداولتها الصحف العربية، ونصّت بالأساس على فتح المعابر وإقامة ميناء بحرى فى غزة.
- بالأساس أؤكد أنه لم تكن هناك مبادرة قطرية ولا تركية، ولكن لا أنكر أنه كانت هناك أفكار أمريكية كانت مطروحة خلال تلك الأزمة، وطوال تاريخنا لم يكن هناك أى تجاوب مع أفكار الأمريكان، فنحن كنا نقتل على مدار 50 يوماً بسلاح ذى صناعة أمريكية، فضلاً عن أن الولايات المتحدة كانت تساند العدو الصهيونى، سلماً وحرباً، وطوال هذه الفترة كنا على تواصل مع الجانب المصرى، صحيح أننا رفضنا مبادرة مصر الأولى، ولكننا لم نرفض الدور المصرى نهائياً، والدليل أننا حينما وجدنا مبادرة جيدة من مصر وافقنا عليها.
■ هل هناك اختلاف بين دور الدولة المصرية حينما تعرض قطاع غزة للقصف فى عام 2012 فيما سمى بـ«عمود السحاب»، وبين الحرب الأخيرة فى أغسطس 2014؟
- بالتأكيد هناك اختلاف كبير، ففى 2012 وأثناء حكم الإخوان، فى اليوم التالى للحرب، اجتمعت جامعة الدول العربية فى القاهرة بمشاركة جميع وزراء الخارجية، فضلاً عن قيام رئيس الوزراء المصرى الأسبق هشام قنديل بزيارة القطاع، بالإضافة لخروج تهديدات مصرية قوية إلى إسرائيل، ما أدى لإيقاف الحرب بعد 12 يوماً فقط، وإدارة مفاوضات وقف إطلاق النار، شعرت حماس وقتها بأن هناك إيجابية جداً من الجانب المصرى، وتحديداً جهاز المخابرات العامة.
■ ولماذا هذا الاختلاف برأيك؟
- هناك عوامل كثيرة، فنحن نعيش منذ يناير 2013 حرباً إعلامية شديدة الوطأة من قبل الإعلام المصرى، تعرضنا لافتراءات، منها أننا من قمنا باقتحام السجون فى مصر خلال ثورة يناير، وأننا من قتلنا المتظاهرين فى الميادين أثناء ثورة 25 يناير، بل وصلت الأحاديث إلى أننا دفعنا بـ3 آلاف فرد حمساوى لتأمين القصر الرئاسى أثناء حكم محمد مرسى، إضافة للحديث المعتاد عن أننا خطفنا الضباط المصريين من العريش خلال ثورة يناير، وقتلنا جنود الجيش فى 16 أغسطس 2012 فى رفح.
■ لكنكم لم تعرضوا على الرأى العام إجابات موثقة بشأن عدم مسئولية الحركة عن اختفاء ضابط و3 جنود مصريين فى العريش خلال ثورة يناير.. ووجهت بعض أصابع الاتهام إليكم؟
- نحن تحدثنا مراراً وتكراراً منذ يناير 2011، أننا لا علاقة لنا بهؤلاء الجنود ولا نعرف مكانهم، ورغم ذلك استمر الجو المشحون من الإعلام ضدنا واستمرت الحملة، صحيح أن بين الجيران من الدول مشكلات تُثار كل فترة، لكن نحن فى غزة لا نحمل أى نية سيئة تجاه مصر، فمنذ 1948 وقطاع غزة موجود تحت إدارة السلطة المصرية، وأبناء القطاع كان ولاؤهم دائماً لمصر ولم يصب وقتها أى ضابط مصرى بالأذى، لأننا أهل وأخوة.
■ لكن بعض المحللين السياسيين يتهم حماس بأنها من افتعلت الحرب الأخيرة على القطاع، بتصرفات استفزازية تجاه إسرائيل، ومصر برئاسة عبدالفتاح السيسى نجحت فى دورها خلال الأزمة؟
- الحرب طبعاً ليست مفتعلة، الأمر كان معروفاً أن هناك نية مبيتة من إسرائيل لضرب القطاع، خاصة أن إسرائيل كانت تريد من خلال ضرباتها، أن تحول الأمر إلى حرب إقليمية ضد حماس، وإفشال تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وحاولوا إظهار أنفسهم بمظهر «البرىء» وكأنهم ضحية ومات لهم 3 مستوطنين.
■ بوضوح.. ما رأيك فى الدور المصرى فى القضية الفلسطينية؟
- مجدداً، أستطيع التأكيد لك أن مصر لم تتخل عن دورها تجاه فلسطين أبداً.
■ وفى تقديرك.. من يتحمل مسئولية ما تصفه أنت بـ«حرب شعواء» على حماس.. أطراف فى السلطة المصرية مثلاً، أم الإعلام؟
- لا يوجد إعلام برىء «ماشى من دماغه بس»، بالتأكيد ما يحدث من تلك الوسائل الإعلامية فى الهجوم على حماس يخدم أشخاصاً معينة، مثل أطراف سياسية بعينها استفادت مما حدث لنا، ويكفى أن أقول لك إن الفلسطينيين فى مصر كانوا «بيخافوا يمشوا فى الشارع»، بالإضافة للفتاوى التى خرجت تطالب بقتل الفلسطينيين أينما وُجدوا كأنهم أعداء، وهذا على عكس ما حدث فى 2012، الذى كان كل بيت مصرى يتبرع بالدم أو بالمساعدات العينية لصالح ضحايا الحرب.
■ هل العلاقة حالياً بين الدولة المصرية وحركة حماس تسير فى اتجاه جيد؟
- من جهتنا، نحن حركة تحرر ننشد العلاقة الطيبة مع جميع الدول ليساعدونا فى مواجهة حربنا ضد العدو الصهيونى، ونتمنى مستقبلاً أن تكون العلاقة جيدة مع مصر، لأننا نحتاج تلك العلاقة أكثر من مصر.
■ منذ عام 1948، مساعى حل القضية الفلسطينية تسير من سيئ إلى أسوأ، بعض قادة حماس فى الآونة الأخيرة قالوا «كفاية 60 سنة على الوساطة المصرية».. هل المقصود من تلك التصريحات التلميح لمشاركة طرف ثالث فى المفاوضات مستقبلاً؟
- دون جدال، رأس العرب هو مصر، وتحرير فلسطين هو قضية العالم العربى المركزية، ولكن أى دولة فى العالم تريد أن يكون لها نفوذ فى المنطقة العربية وتزداد مصالحها عليها أن تضع القضية الفلسطينية فى مقدمة أولوياتها، وأنا أرى أنه لا أحد يستطيع عزل مصر عن قضية السلام، فمصر هى التى أنشأت منظمة التحرير الفلسطينية، ومعنى «الحرب الفدائية» وصل إلينا عن طريق الشهيد المصرى مصطفى حافظ، وأى كلام ينسب لحماس عن رفضهم لدور لمصر فى حل الأزمة حديث «فى غير محله»، ونرفضه لأننا نقدر الدور المصرى.
■ تحدثت عن أنه كان هناك ما يسمى وحدة الجبهة الداخلية الفلسطينية، لكن الرئيس محمود عباس فى أول ظهور له عقب انتهاء الحرب، قال إن حماس ترتكب تصرفات «غير مسئولة»، وأشار إلى واقعة إعدام 18 شخصاً مشتبهاً بتورطهم بالتخابر مع إسرائيل؟
- لن أعلق على حديث أبومازن، يسأل هو نفسه عن الاتهامات التى ألصقها بنا، لكن أؤكد أن الجبهة الداخلية كانت قوية، خارج خطوط القطاع أيضاً، بالضفة الغربية كان هناك توحد كبير ودعم للمقاومة.
■ على صعيد آخر.. ما تعقيبك حول التحالف الدولى لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام، المعروف بـ«داعش»؟
- وأنا أعملهم إيه!