"الوطن" تنشر مقال وزيرة التعاون الدولي في موقع "ذا هيل" الأمريكي
تُعيد "الوطن" نشر مقال الدكتورة نجلاء الأهواني، وزيرة التعاون الدولي، بموقع "ذا هيل" الأمريكي، الذي نشره الموقع، الأربعاء الماضي، بعنوان "على الولايات المتحدة دعم النهضة الاقتصادية في مصر".
"تمخض عن أحداث 25 يناير 2011 ولادة مرحلة جديدة في مصر، مرحلة مفعمة بالأمل ولكن يصحبها كثير من الغموض وعدم الوضوح. فبينما كان المواطن المصري يسعى لإعادة اكتشاف ذاته، وتحديد شكل المجتمع الجديد الذي يتطلع إليه، كان يعاني في ذات الوقت من تدهور الأوضاع الاقتصادية والشعور باليأس. ولقد أسفر ذلك عن خروج الملايين من المصريين إلى الشوارع في ثورة ثانية في 30 يونيو 2013 إثر ما شعروا به من إحباط لتطلعاتهم السياسية والاقتصادية، وكان ذلك نتيجة السياسات الاقصائية التي اتبعت وسوء إدارة الموارد.
لقد صاحب أحداث ما بعد ثورة 25 يناير، تدهور النشاط التجاري، والارتفاع البالغ في معدلات التضخم، ما أدى إلى قيام مؤسسات التصنيف العالمية بخفض التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري، إلى جانب خروج العديد من المستثمرين الدوليين من السوق المصرية، وكادت السياحة أحد أهم الركائز الأساسية للنمو الاقتصادي في مصر أن تتوقف بشكل كامل. وبحلول 2013 انخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.1% بينما ارتفعت نسبة البطالة بواقع 5% لتصل إلى 13.4%، ما أدى إلى فقدان حوالي 850.000 عامل- معظمهم من الشباب- لوظائفهم. وكذلك نتج عن تلك الأحداث هبوط الاحتياطي النقدي الأجنبي من 37 مليار دولار إلى 13.5 مليار دولار، بينما ارتفع عجز الموازنة ليصبح أكثر من ما يوازي مليار دولار.
ونتيجة لهذا الواقع الأليم، خرج المصريون ثائرون يطالبون بتصحيح المسار، وتم وضع خارطة طريق، تم منها حتى الآن الاستفتاء على دستور جديد، وعقد انتخابات رئاسية، وستقام انتخابات برلمانية في القريب العاجل. وطالب الناخبون الذين صوتوا لصالح الدستور الجديد بنسبة 98% والناخبون الذين انتخبوا الرئيس المصري بنسبة 96% بإحداث تغيير في التوجهات الاقتصادية والسياسية.
ومن أجل هذا الغرض، حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي، على بلورة رؤية تنموية تحقق معدلات نمو مرتفعة، وتعود بنتائجها الإيجابية علي المصريين جميعًا، وعلى الفور تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات للحد من عجز الموازنة، وتحفيز النمو الاحتوائي لكي يعم الرخاء على جميع فئات المجتمع بدلاً من تركزه في أيدي فئات بعينها.
وكانت أولى تلك الإجراءات هي مراجعة القيادة السياسية والحكومة دعم الطاقة، الذي كان يستحوذ على ما يقرب من ربع موازنة الدولة، علمًا بأن الحكومات السابقة على مدار عدة عقود كانت تتخوف من الإلغاء التدريجي للدعم، ولكن عندما اتخذ هذا القرار، أظهر الشعب المصري معدنه الحقيقي، واستعداده للتضحية من أجل تحقيق المصلحة العامة للوطن. وقد تزامن مع ذلك القيام بإصلاح منظومة الضرائب لتصبح أكثر عدالة، وذلك من خلال فرض الضرائب على المكاسب من رأس المال والأرباح، وسن ضريبة للقيمة المضافة وزيادة مؤقتة لضريبة لكل من يجني أكثر من مليون جنيه مصري في السنة.
لقد حرصت الحكومة المصرية على إحداث توازن بين إجراءات التقشف والإصلاحات الهيكلية، ومراعاة غير القادرين، فقامت بتحسين شبكة الحماية الاجتماعية، وتوجيه الدعم لقطاع المعاشات والتأمينات ليصل للفئات الأكثر احتياجًا.
هذا بالإضافة إلى طرح برنامج تحفيزي لتحقيق الزيادة السريعة لمعدلات النمو وخلق فرص عمل، وهو ما تمثل في مشروع تطوير قناة السويس، حيث يُعد هذا المشروع واحد ضمن سلسلة من المشروعات القومية الضخمة التي تهدف إلى خلق فرص العمل، وجلب الاستثمار الأجنبي، كما أنه جارِ تنفيذ عدة برامج لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وقد بدأ حصاد ثمار هذه الجهود، حيث يتوقع البنك الدولي ارتفاع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.1% في 2015 و3.3% في 2016، ونسعى لتحقيق معدل نمو يصل بحلول 2020 إلى 7%. وبصفة عامة، من المتوقع أن ينخفض عجز الميزانية إلى 10% من إجمالي الناتج المحلي في 2014- 2015 مقارنة بـ12% في 2013- 2014 و13.8% في 2012-2013.
لقد أدى تغيير السياسات الاقتصادية في مصر، بالإضافة إلى المؤشرات الإيجابية إلى ارتفاع ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري، فمصر ترسل مؤشرات إيجابية للمجتمع الدولي بأن الحكومة جادة في تحقيق الإصلاحات طويلة الأجل، وقد بدأنا بالفعل في جذب الاستثمارات الضخمة التي ستساعد على تحقيق هذه الإصلاحات. فقد وصل حجم الاستثمار الأجنبي المباشر خلال أول ثلاثة أرباع من السنة المالية الحالية إلى 4.7 مليار دولار، أي بزيادة تفوق 20% عن العام الماضي. وفي شهر أغسطس الماضي أغلقت البورصة المصرية بأعلى من 9000 نقطة للمرة الأولى منذ 2008، وصرح مؤشر مديري الشراء ببنكHSBC مصر بأن "حركة الشراء زادت لأعلى معدل منذ بدء عملية جمع البيانات في ابريل 2011."
وبينما تعمل مصر على بناء مجتمع جديد يرتكز على مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية والرخاء للجميع، يمكن أن تلعب المؤسسات الأمريكية دورًا حيويًا في هذا السياق، إذ يرى العديد أن مصر تعد منطقة جديرة وجاذبة للاستثمار فيها. فشركة "كوكاكولا" على سبيل المثال تقوم بالتصدير لأكثر من 40 دولة من خلال مصر، كما قامت بطرح 500 مليون دولار في شكل استثمارات جديدة. كما بدأت شركتا "جنرال موتورز" و"كريسلر" في إنتاج سيارات جديدة في مصانع مصرية.
والجدير بالذكر أن هذه الجهود والإجراءات الدافعة لنمو الاقتصاد المصري سوف تتبلور، من خلال المؤتمر الاقتصادي الدولي الذي سيُعقد في فبراير القادم في مصر في مدينة شرم الشيخ، والذي سيجمع بين القيادات والمستثمرين من القطاعين العام والخاص لطرح فرص ضخمة للاستثمار والتجارة في مصر، كما سيتواجد كل من هو حريص على تحقيق مكاسب استثمارية في مصر "الجديدة" ممن يرغبون في تحقيق الرخاء للمنطقة ككل.
إن الشراكة طويلة الأجل بين مصر والولايات المتحدة تعود لثلاثة عقود مضت وستظل لها دورًا محوريًا في الاقتصاد العالمي والاستقرار الإقليمي. كما يعد الدعم الأمريكي المستمر لمصر مسألة ضرورية لبناء دولة أكثر رخاءً وشرق أوسط أكثر استقرارًا، حيث أن نجاح مصر سيحقق مصالح اقتصادية وإستراتيجية مشتركة للجانبين المصري والأمريكي على حد سواء.