ملكة متوجة
قال لي زوجي يوما وهو يراقبني وانا اقف في المطبخ لا رأس لي من قدم "إنتي ملكة ... والمطبخ مملكتك" نظرت حولي بغيظ ولم تقع عيني في هذه المملكة المزعومة إلا على الدواليب والأرفف والكراكيب ومخلفات الزمان "إيشي برطمان قديم على غطى حلة على أوكرة باب مخلوعة على مشبك غسيل على ليفة على صابونة على..." وعن دواليب المطبخ فحدث ولا حرج.. "دولاب للخزين.. عدس وسكر وفول ورز ومكرونة وشعرية ولوبيا وفاصوليا وعلب سردين على تونه على برطمان فيه كام زتونة "هذا غير دولاب الأجهزة المعمرة، والتي تحتاج الآن من كثرة الاستهلاك لـ"عَمرة" بفتح العين.. ودولاب الأدوات البلاستيكية وتقريبا نصف العلب فيه بدون غطاء.. وقد تجد أغطية بدون علب، وبالتالي أتمنى في كل مرة بعد معركة دامية معها أن أنسفها وأتخلص منها غير آسفة عليها، لكن يمنعني في كل مرة هاجس أنها قد تنفعني في يوم من الأيام "بالضبط كدا زي اللي بتقول لنفسها ضل راجل ولا ضل حيطة، وأهو علبة من غير غطا أحسن من انعدام العلب".. وهكذا دواليك من دولاب لدولاب لا تحزن يا قلبي.. ويكفي دولاب أواني الطبخ الذي إذا تم فتحه فمن سابع المستحيلات أن ينغلق.. أغطية ضائعة وأخرى بلا حصر وأواني قديمة وأخرى في حالة يرثى لها، وثالثة من أيام جهازي لا يمكن الاستغناء عنها "جوزي ماضي عليهم في القايمة"، رغم أنها إما بدون أيدي أو بدون غطاء أو تمتلئ بالجروح الغائرة والكدمات العنيفة التي خلفها الزمان.. أما الأواني الحديثة فتتوه وسط الزحام على استحياء فلا تكاد تراها العين المجردة إلا إذا قمت بإخراج أواني الطهي كلها، ما يحدث ضجيجا قد يوقظ الموتى من شدته.. ودولاب الإسعافات الأولية وما يحويه من أدوية متنوعة من الصعب حصرها منهم ما انتهت صلاحيته وما قاربت على الانتهاء وما يصلح حتى الآن للاستخدام الآدمي.. ودولاب النثريات وأدراج تمتلئ بكل شيء عدا ما يخص المطبخ "نوتة قديمة.. أقلام وبرايات.. شموع ومناديل لمسح الدموع.. إبرة وخيط.. قطن للودان.. كارت معايدة من جارتنا ابتسام.. جزء من لعبة قديمة.. مفاتيح.. ساعة مبتمشيش ومش هتمشي.. صورة عائلية مش عارفة مين جابها هنا أصلا.. وردة صناعي.. شريط لوردة الجزائرية" ولأن هذه الأدراج هي "الحيطة المايلة" فكل من يجد في يده شيئا يريد الاستغناء عنه يضعه في هذه الأدراج متظاهرا بالسذاجة أو كأنه "شايلها فيها لوقت عوزة.. بدل يعني ما يرميها ف الزبالة وحد يتهمة اتهام كدا ولا كدا لا سمح الله"، وعاودت النظر للأدراج اللانهائية والتي تحمل خلف أبوابها المغلقة عالما من الهموم الذي تنوء به الجبال.. ونظرت لزوجي وتذكرت كلماته الرقيقة وهو يقول لي أنني ملكة والمطبخ مملكتي ولأنني متعبة للغاية من هذه المملكة وأشعر بأنني أقف على شعرة فوجتني رغما عني أصيح به قائلة وأنا أحمل في قلبي وجيعة كل ضلفة دولاب "يا سلااام ... بجد ... صحيح والله .... يا ما نفسي أشوفك أنت كمان ملك زيي.. وتعيش حياتك ف مملكتك أحسن عيشة.. الرعية تستغلك والوزير يطلع عينك وتمسح بلاط القصر كل يوم بدموعك.. أنا عن نفسي زهقت من كوني ملكة ونفسي أقدم استقالتي وأبقى وصيفة.. حرام عليكو أنا صحتي مش جاية ع الوظيفة دي.. بعيد عنك وش فقر بقى وماباحبش المناصب".