وثائق إسرائيلية تكشف: «ديان» أنشأ مستوطنتين فى رفح وشرم الشيخ بعد العدوان الثلاثى عام 56
نشر الأرشيف العسكرى الإسرائيلى وثائق جديدة، تُصنف على أنها سرية، تتناول انطلاق فكرة الاستيطان بعد حرب 1956، والتى يسمونها بـ«معركة قادش»، حيث أشارت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إلى أن الفكر السائد لدى الجميع؛ هو أن الاستيطان بدأ فى أعقاب حرب عام 1967، مؤكدة أن هذا الفكر خاطئ، وكان نتيجة «الحماس المسيحانى» الذى ساد الدولة بعد الانتصار الكبير الذى حققه الجيش الإسرائيلى.
وتشير صحيفة «هآرتس» إلى أن مصطلح «المستوطنات» كان يعنى الاستيطان بشكل منظم ومرتب فى المناطق التى احتلتها إسرائيل فى الحرب، لكن قصة «المستوطنات» تعود إلى ما قبل ذلك بحوالى 10 سنوات، وتحديداً بعد عملية سيناء، وهى الحرب التى يذكرها أغلب الإسرائيليين على أنها مجرد عملية عسكرية، أى أنها ضمن العمليات العسكرية التى شنها الجيش الإسرائيلى لضم أراضٍ جديدة.
وأشارت الوثائق التى نشرها الأرشيف العسكرى الإسرائيلى أخيراً، إلى أن المستوطنتين الأوليين فى تاريخ إسرائيل، كانتا يُطلق عليهما اسم «البؤر الاستيطانية»، وقد أقامها الجيش الإسرائيلى فى المناطق التى احتلها خلال حرب 1956، وكانت الأولى فى رفح والثانية فى شرم الشيخ، وكانت هناك استعدادات لإقامة عدد آخر من المستوطنات، إلا أن الانسحاب الإجبارى أوقف المشروع.
وذكرت «هآرتس» أن البؤرتين فى رفح وشرم الشيخ لم تتعدا مدة وجودهما على أرض الواقع أكثر من شهرين أو ثلاثة على الأكثر.
ويقول المؤرخ الإسرائيلى، مردخاى براون، والذى عمل رئيساً لمكتب رئيس الأركان الإسرائيلى موشيه ديان آنذاك، إنه كان لدى الجميع وقتها الإيمان بأنهم يستطيعون الإبقاء على قطاع غزة وشرم الشيخ تحت سيطرتهم، «ديان اعتقد أن قطاع غزة سيبقى إسرائيلياً، بن جوريون نفسه وضع الخطوات الرئيسية، وكانت إقامة بؤرتى رفح وشرم الشيخ بمثابة تصريح للجميع بأننا جادون، وأننا لن نترك الأراضى التى احتللناها».
وفى 9 مارس من عام 1957، كانت إسرائيل على وشك التسليم بضرورة الانسحاب من غزة وسيناء بشكل كامل، إلا أن الأمر لم يكن مطروحاً فى جلسة الحكومة التى أجريت قبل شهر واحد من العام نفسه، بل إن رئيس الأركان العامة موشيه ديان، كان ينظر للأمام باعتبار أن قطاع غزة أرض إسرائيلية، ويعيش بها مستوطنون إسرائيليون يحرثون ويزرعون الأرض.
وقال ديان -بحسب ما ذكرته الوثائق- «فيما يتعلق بقطاع غزة، فإن القرار السياسى بسيط، إنها جزء من أرض إسرائيل».
وتابعت «هآرتس»: «وفقاً للمستندات، فإنه قبل حوالى شهر ونصف، أمر ديان ورئيس الحكومة ديفيد بن جوريون، بإقامة بؤرة استيطانية أولى فى رفح، داخل معسكر مصرى مهجور، ويكون ساكنو تلك البؤرة من جنود المشاة، إلا أن ديان لم يكتف بتلك البؤرة الاستيطانية، فقد رأى إقامة سلسلة من المستوطنات اليهودية تصل حتى البحر، تغلق قطاع غزة من الجنوب، وتفصلها عن سيناء تماماً».
وأشارت «هآرتس» إلى أن سلسلة المستوطنات تلك لم تتم فى نهاية الأمر؛ لأن الضغط الدولى الهائل على إسرائيل، وقرار الأمم المتحدة أحادى الجانب، والعقوبات الأمريكية التى بدأت، أجبرت حكومة بن جوريون على الانسحاب من قطاع غزة وشرم الشيخ، وقبل ذلك، إخلاء البؤرتين الاستيطانيتين اللتين أقيمتا هناك.
ونشرت الصحيفة وثيقة بعنوان: «قرار فيما يخص مسألة إقامة بؤر استيطانية للمشاة فى خليج سليمان»، أصدرها مساعد قائد المشاة، موشيه جت، صنفت على أنها سرية، جاء فيها: «بهدف تأمين عبور حر للأسطول الإسرائيلى بخليج إيلات، تقام بؤرة استيطانية للمشاة بخليج سليمان (شرم الشيخ)، وستعمل البؤرة فى شعبة صيد السمك بخليج إيلات والبحر الأحمر، وستحصل على سفينة صيد تمكنهم من اصطياد الأسماك».
وأرسل يسرائيل شرجا، ضابط بقيادة العمليات، فى اليوم نفسه خطاباً سرياً عن طريق مبعوث خاص، لمكتب رئيس الأركان العامة، فيما يخص البؤرة الاستيطانية التى ستعمل فى الصيد بخليج إيلات، وجاء الخطاب مفصلاً بشكل كبير، حيث أكد أن قيادة المشاة ستخصص 50 جندياً، ينقلهم سلاح الجو لشرم الشيخ، وتمول الوكالات اليهودية إقامة البؤر الاستيطانية، وينقل سلاح البحرية الإسرائيلى المعدات المطلوبة فى السفينة «ملخت شافا».
وقالت «هآرتس» إن موشيه ترزى، من مواليد العراق، استطاع الإبحار بالقارب الذى خصصته البحرية الإسرائيلية للبؤرة الاستيطانية بشرم الشيخ، على الرغم من أنه لم يكن مشاركاً فى حرب 1956، ولكنه كان عضوا بأحد «الكيبوتسات» الإسرائيلية، وذلك لأن إيتمار بن باراك، قائد المشاة آنذاك، حضر إليهم وطرح الأمر أمام مجموعة من الصيادين بـ«الكيبوتس»، مشيراً إلى أنه يحتاج لصيادين ورجال يعلّمون جنود البؤر الاستيطانية كيفية الصيد، وهو ما جعل ترزى يوافق هو ومجموعة من أصدقائه على القيام بتلك المهمة.
وأشارت «هآرتس» إلى أن الجيش الإسرائيلى فضل فى البداية أن يخفى مشروعه الاستيطانى عن الأعين، وقال أ.رافبورت، رئيس شعبة المجال الأمنى بقيادة الأركان، إنه لا حاجة لنشر أية معلومات عن إقامة بؤر استيطانية فى رفح وشرم الشيخ، مؤكداً أنه لا يجب دعوة الصحفيين والمصورين إلى البؤرتين الاستيطانيتين دون الحصول على تصريح أمنى أولاً.