داخل زقاق صغير بأحد الشوارع المحيطة بميدان السيدة زينب تجلس إحداهن أمام إناء ممتلئ بالطعام، في يدها مغرفة تطرق بها على طبق كبير، وكأنها تصنع إيقاعًا صوفيًا لحظة غناء أحد ضيوفها من الدراويش والبسطاء، إذ يقول «سيدة يا سيدة.. يا أم الشموع القايدة» أما الأخرى فتقف أمام خيمة صغيرة لتستقبل العشرات بلهجة صعيدية، وتقول: «نورتوا يا جماعة..أهلًا إغرفي لحمة يا نعيمة».
إطعام الفقراء والمريدين بالقرب من ساحة مسجد السيدة زينب بالقاهرة هي فكرة ورثتها «ليلى» عن والدتها «سكينة» التي كانت تأتي من بني سويف تطهو الطعام للفقراء أسبوعًا كاملًا لتوزعه على مستحقيه من زوار السيدة في مولدها، موضحة: «عندي 61 سنة.. باجي مولد السيدة كل سنة من بني سويف بقالي 31 سنة مبفوتش موسم.. الناس كانت كلها بتيجي.. كل حبايب السيدة من بلدنا بيجوا.. لكن دلوقتي الناس بتخاف بسبب كورونا».
كميات وفيرة من الأكلات الشعبية للفقراء
وعلى طريقة والدتها التي يعرفها سكان منطقة السيدة زينب تسخر السيدة ليلى يومها لإعداد كميات وفيرة من الأكلات الشعبية من أجل توزيعها على الفقراء وعابري السبيل، إذ تقول خلال حديثها مع «الوطن»: «النذر اللي موجود عدس وفول وجبنة وطبيخ.. أي حاجة ربنا بيجود بيها بنعملها.. اللي بيطلب أكل معين بنحطله، وفي ناس بتيجي تطلب الفول النابت من إيدي وكل يوم في حاجة معينة بطعم بيها الفقير».
من الصعيد إلى القاهرة
لا يقتصر توزيع الطعام من قبل السيدتين على فئة الفقراء فقط إنما لإطعام أكبر عدد ممكن من ضيوف موالد آل البيت والاحتفاليتين الأشهر بالقاهرة، وهما مولد الإمام الحسين والسيدة زينب، موضحة: «بنيجي أنا ونعيمة في حب الله وحب آل بيت رسول الله من الصعيد في عربية نص نقل، من بني سويف لمصر، ومعانا الخيم وبننصبها هنا بمساعدة أحباب السيدة، وبستقبل حبايبنا في مصر.. ونتونس بحبايب أم هاشم».
اتعلمنا الحب.. وشوفنا الصبر
تعتبر السيدة أن المترددين على منطقة السيدة زينب للاحتفال بمولدها مثل ضيوفها في بيتها، موضحة حبها الشديد لجميع ضيوف موالد آل البيت: «سر حبي لحبايب آل البيت والسيدة إني بعتبرهم ضيوفي وكل حبايب الست حبايبي.. من البداية هو حب وإخلاص وصفاء.. الموالد بتعرفنا على حبايب كتير، وعلمتنا الحب وشوفنا الصبر في عيون المحتاجين».
طبق الفول النابت من ابتكار والدتي
تكمل الستينية حديثها وهي تكشف غطاء إناء تنبعث منه روائح اللحم والأدخنة، موضحة أنها تعلمت الكثير هي وصديقتها في رحلة حبهما لأهل بيت النبي، قائلة: «أكتر حاجة اتعلمتها في 32 سنة خدمة لزوار الموالد هي الحب والصبر.. ميبقاش عندك غل من حد ووالدتي هي اللي علمتني الخدمة.. نفسي حلو زيها في الفول النابت.. هي أول واحدة عملته للفقراء وورثتني حب آل البيت، وكانت من ضمن العواجز.. اللي بيحبوا السيدة ويقدموا الأكل لضيوفها».
لكن «نعيمة نادي» البالغة من العمر 71 عامًا شريكتها في إطعام الفقراء تواظب على حضور الموالد الشعبية وهي من أكثر العادات المحببة إليها تضيف: «ليلى هي أختي في الحب وفي خدمة السيدة زينب.. اتعرفت عليها في مولد السيدة من سنين، وكل سنة بنيجي سوى نوكل الناس.. كل موالد مصر بنروحها مولد من موالد سيدنا الحسين لستنا حورية».
وتؤكد في حديثها لـ«الوطن» إن الموالد ينتظرها البسطاء والفقراء على أحر من الجمر، كما أنها وصديقة عمرها لا يفترقان، موضحة: «باجي مولد السيدة من زمان قوي مع ليلى.. مبنتأخرش على الست.. رغم إن الدنيا اتغيرت وبقى في أمراض.. لكن أهم حاجة الحب.. بنقول لضيوفنا مرحبا وربنا ما يقطعلكم عوايد.. ونحطلهم من الموجود سواء غدًا أو فطار».
تعليقات الفيسبوك