حرية الرأى جريمة.. و«الأراجوز» هو الحل
«الأراجوز بيقول اللى هوّ عاوزه لأنه فى الأول والآخر أراجواز، سخرية الناس واستهزاءهم بيه هو مصدر قوته وجبروته» ببساطة يقدم أدهم السايح، ابن أشهر لاعبى الأراجوز، فى مدينة الإسكندرية صلاح السايح، الوصفة السحرية التى يمارس من خلالها الأراجوز مهامه فى إبهار مشاهده وجذب انتباهه وسخريته واحترامه فى الوقت نفسه، فما يمكن أن يشكل جريمة عند البعض إذا تم التصريح به، يكون مقبولاً، بل ومضحكاً من الأراجوز.
«الحكاية سهلة أوى، ماكينة خياطة يدوية، واللى ماعندوش يستلف من اللى جنبه قماش قديم موجود فى البيت، زراير، ألوان مختلفة، موجودة فى البيت برضو أو عند أى خردواتى، ومسدس شمع موجود فى أى مكتبة جنب البيت، فايبر من عند أى منجد، بس يا سيدى، وكدا أراجوزك جه للحياة، وتقدر تقول كل اللى انت عاوزه من غير ما حد يحاسبك.. ماحدش بيحاسب الأراجوز». أدهم الفتى العشرينى يسير على درب والده، لكنه خرج هذه المرة عن نطاق الإسكندرية إلى القاهرة، التى جاء إليها داعياً كل شخص راغب فى أن يقول ما يشاء بعيداً عن كل الحسابات أن يصنع أراجوزه الخاص.
«الأراجوز ملهوش زمن معين، لما كنت صغيّر وكبرت لاقيته لسه مكمّل، مكبرتش عليه، رسالة الأراجوز بتختلف من وقت للتانى، لكن مش ممكن تموت، مرة يحكى حواديت، مرة يتكلم فى السياسة، ومرة يحكى على مصر واللى جرالها، الأراجوز يقول اللى هو عازوه». أدهم يعد الآن لورشة خاصة بتعليم فن العرائس (الأراجوز تحديداً) فى القاهرة، هو لا يعتبر الأراجوز مجرد ملابس أو صوت مختلف، يقول: «لاعب الأراجوز لازم يعرف يعنى إيه مسرح عرايس وأراجوز؛ تركيبتهم، وطريقة تصنيعهم بأدوات موجودة حوالينا طول الوقت، إزاى نتخيل ونصنع ملابس العروسة حسب شخصيتها، إزاى نكتب حدوتة، ونلعب العرايس ونجسد شخصيتها، العروسة مش جماد، العروسة كيان له شخصية ورأى، نتاج الورشة هيكون حدوتة كبيرة عن مصر واللى جرالها من أول حكم الرئيس مرسى، ولحد دلوقتى».
الشاب الذى نشأ ليجد العرائس وشخوص الأراجوز من حوله أصبح صديقاً مقرباً لتلك الكائنات اللطيفة، يحزن حين يرى سمعتها تسوء لسوء الممارسة، ويفرح حين يعرف أن لاعب أراجوز ما أجاد وقدم عرضاً جيداً، يقول: «للأسف مسرح العرائس المتعارف عليه الآن ضعيف، أصبح الأراجوز فى العقل الجمعى مجرد فقرة فى مولد، وعروض الأراجوز الحالية لا تحترم عقول المتلقين، مجرد صنعة مش فن، حاجة زيادة جنب المراجيح، رغم الأهمية القصوى لهذا الفن الذى استغلته جماعة الإخوان فى الدعاية الانتخابية لهم، كذلك بعض الأحزاب التى استغلته فى الترويج لأفكارها السياسية والاجتماعية، الأراجوز مستغَل طول الوقت لكنه استغلال خاطئ، عشان كدا عاوز الناس العادية تتعلم الفن دا، الأراجوز يقدر يعمل مظاهرة، من غير ما حد يحاسبه، لأنه أراجوز فى الأول الآخر».
يعمل أدهم على مشروع آخر هذه الأيام هو تعليم أطفال الشوارع فن الأراجوز، يقول: «أى حد ممكن يبقى فنان، المهم يركز، عشان كدا هاعمل ورشة مكثفة مع أطفال الشوارع، بدأت أتواصل مع أطفال معينين منهم، وباتصاحب دلوقتى على أطفال جداد، ناس بتخاف منهم، وناس بتقول مفيش فايدة، وانا باقول دا إنسان أذكى من الطفل العادى، مجرد لما يحس إن فيه حاجة مهمة فى حياته بيلتزم بيها، وبييجى قبل الوقت المقرر لها، اشتغلت معاهم قبل كدا حكى مسرحى، وعملوا شغل حلو جداً، ميزتهم فى وجودهم المستمر فى الشارع 24 ساعة، مليون حدوتة بتحصل لهم، بيحكوها بتلقائية شديدة وصدق، من غير خوف من حاجة أو من حد».