في رثاء رضوى عاشور.. فقدان كلمات الفراق فتركت لنا 20 رسالة وداع
شعر أسود قصير، يخالطه بعض البياض، ووجه أبيض مبتسم، تعلوه نظارة طبية، تبث من عدساتها الشفافة شيء من الأمل، بجسد ضئيل، وأيدي صغيرة، وحلم، وموهبة كبيرة، قادت بهم قرأها في رحلة ملئها الحكمة، والسرد الملحمي، أبدعت من خلالها في رسم المشاهد بكلماتها، فتناولت أرواح شخصياتها قبل أجسادهم، فتعطيهم من وحيها، وخيالها فيعطوها الخلود.
نجحت الروائية الراحلة، رضوي عاشور، أن تسطر بقلمها، علاقة ناجحة بينها وبين الكلمات، في مزيج مبهر، فسيطرت الأماكن التاريخية، على مواقع الأحداث في قصصها، التي كانت مصدر للانكسار، والأمل في نفس الوقت، فسقوط الأندلس في "ثلاثية غرناطة"، والقضية الفلسطينية في "الطنطورية" وغيرها من الأعمال التي قدمتها في رحلة مستمرة بخلود أبطالها.
وكأنها تعلم أن في يوم سنحتاج أن نرثوها فتقف أقلامنا عاجزة عن الكلام، فخلفت لنا رسائل، ربما كرثاء علينا، نحن من فقدنا قلمها، وكلماتها.
"أمسى البكاء مبتذلاً، ربما لأن الدموع صارت تستحي من نفسها.. لا مجال".
-"تبدو المصائب كبيرة تقبض الروح ثم يأتي ما هو أعتى وأشد، فيصغر ما بدا كبيراً، وينكمش متقلصاً في زاوية من القلب والحشا".
-"تناسيت حتى بدا أني نسيت".
-"الحزن قوة جاذبة تشد لأسفل، تسحب الرأس والكتفين إلى تحت، كأن الجسم في حزنه يُمسي واهناً خفيفاً، فتستقوى الجاذبية عليه وتستشرى".
-"لا يمكن أن يكون الحب أعمى.. لأنه هو الذي يجعلنا نبصر".
-"الذاكرة لا تقتُل. تؤلم ألماً لا يطاق، ربما، لكننا إذ نطيقه تتحول من دوامات تسحبنا إلى قاع الغرق، إلى بحر نسبح فيه، نقطع المسافات، نحكمه، ونملي إرادتنا عليه".
-"عند موت من نحب نكفِّنه، نلفه برحمة، ونحفر في الأرض عميقاً، نبكي، نعرف أننا ندفنه لنمضي إلى مواصلة الحياة".
-"في وحشة سجنك ترى أحبابك أكثر، لأن في الوقت متسعًا، ولأنهم يأتونك حدبًا عليك في محنتك، ويتركون لك أن تتملى وجوههم ما شئت، وإن طال تأملك".
-"أن البشر كالمرايا يعكس الواحد منهم الكثير من وجه صاحبه".
-"أتساءل مرة أخرى إن كان في المرء كيمياء تُقرِّب وتُبعد؟ أم كان محض حظ قَسَم لنا أن نتصادق، وتفلت صداقتنا من الزلازل التي تصيب الأصحاب، وتخلف لهم المرارة والركام؟".
-"تتلبد السماء بالغيوم أحيانا.. ولكنها تشرق في أحيان أخرى."
-"الزرع كالبشر يموت، أما الأحجار فتقوى وعمرها يطول".
-"لكل أمر تحت السماوات وقت، للولادة وقت، وللموت وقت، للغرس وقت ولخلع المغروس وقت".
-"أتساءل ما الذي تفعله امرأة تشعر أنها بالصدفة، بالصدفة المحضة بقيت على قيد الحياة؟".
-"الأموات يحتاجوننا كما نحتاجهم، إن لم نوافهم بالسؤال يثقلهم الحزن و تركبهم الوحشـة".
-"الحكايات التي تنتهي، لا تنتهي ما دامت قابلة لأن تروى".
-"الجاهل بالمكان أعمى، لا أقصد بالمكان خريطة الشارع ولا أين يبدأ وأين ينتهى، بل المكان الذى يخصنا، وتسكن فيه حكايتنا، وذاكرة حواسنا الخمس فيه".
-"فيتأكد لي مع كل صباح أن في هذه الحياة رغم كل شيء، ما يستحق الحياة".
-"الزمن يجلو الذاكرة كأنه الماء تغمر الذهب فيه، يومًا أو ألف عام فتجده في قاع النهر يلتمع".