بالصور| نجم والشيخ إمام.. ثنائي "تكدير الأمن العام"
جمع الحلم الضائع، عود الشيخ إمام، وكلمات أحمد فؤاد نجم، في "مانيفيستو" الرفض، والسخرية، من الحياة، والأوضاع السياسية، في قاع المهمشين المليء بأسرار القاع، وحياة الضعفاء، لتتحول الكلمات بين شفاهم إلى وابل من الرصاص، أو سوط لاذع يضرب على رأس النظام، لم يجمع بينهم الفن بل تجسد الفن فيهم، بعد أن مرا بسلسلة من الظروف المتشابهة في صعوبتها مع اختلافها، إلا أنها نجحت في خلق ظاهرة فنية فريدة.
كلمات ممزوجة بألحان قوية تجاوزت الحدود، رفضًا لجميع القيود "أحنا مين وهما مين أحنا الفعلا البنايين، أحنا السنة وأحنا الفرض، أحنا الناس بالطول والعرض، من عافيتنا تقوم الأرض، وعرقنا يخضر بساتين"، ومازالت أصداء أصواتهم الحرة تتردد في نفوس التأثرين قبل أذانهم.
بدأت العلاقة بينهما عام 1962، فوق أسطح أحد العمارات بمنطقة "حوش آدم" في مصر القديمة، عندما انتقل "الفاجومي" إلى هناك حيث كان يسكن إمام برفقة عوده، فكان سؤاله للشيخ إمام "لماذا تغني ألحان زكريا أحمد، ألحانك أولى بذلك"، فأجابه الشيخ الضرير أنه لم يجد الكلمات المناسبة ليلحنها، وكانت البداية الارتباط بين الكلمات النارية والألحان المبدعة، ليستوحوا كلامتهم من بين طيات، وجوه الكادحين، حينما قدما أول أعمالهم معًا "يعيش أهل بلدي، يعيش الغلابة في طي النجوع، نهارهم سحابة وليلهم دموع، سواعد هزيلة لكن فيها حيله تبدر تخضر جفاف الربوع".
توالت الأعمال الناجحة بعد ذلك بين الثنائي، وأصر نجم الدائم على تجاوز الخطوط الحمراء، بعدد من الأعمال، بعد نكسة 1967 ، بداية من "واه يا عبدالودود" مرورًا بـ"بقرة حاحا" ليصل إلى قصيدة "الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا، يا محلا رجعة ضباطنا من خط النار"، التي كانت بمثابة هجوم صريح على جمال عبدالناصر والتي انتشرت كالنار في الهشيم.
وكان الرد من جانب عبدالناصر سريعًا، حينما أمر باعتقال نجم، وتبعه الشيخ إمام، بتهمته تعاطي الحشيش، قضيا ما يقرب من عامين جابا خلالها معظم السجون المصرية، ولم يطلق سراحهما إلا بقرار من الرئيس محمد أنور السادات، ضمن آخر 4 معتقلين في السجون المصرية.
ولم يمر الوقت منذ خروجهم من السجن، حتى ينخرطا في العمل مع الحركات الطلابية بالجامعة للمطالبة بتحرير سيناء، لتسجل أغانيهم، وتنشر قصائد نجم في صحف الحائط بالجامعة والندوات، فكان الحل الوحيد أمام الأمن اعتقال مجموعة من الطلاب كان نجم من ضمنهم، وسجل تجربة القبض عليه، والتحقيق معه لأول مرة داخل نطاق القانون في 4 من قصائده، كتبها في معتقل القلعة خلال الشهور الأولى من 1972، من بينها "بلدي وحبيبتي، وورقة من ملف القضية".
في عام 1973 من انتصارات أكتوبر، قدما معًا رائعة "مصر ياما يا بهية" احتفالًا منهم بالمشاركين في الحرب من الشباب المصري بعيدًا عن القادة، فيقول "مصر يا امّا يابهية يا أم طرحة وجلابية، الزمن شاب وانت شابة هو رايح وانت جاية، جايه فوق الصعب ماشية فات عليك ليل ومية".
لم يتوقفوا عند هجاء المؤسسة الحاكمة أو الأوضاع السياسية، في ذلك الوقت فقط، بل امتد الهجاء اللاذع لديهم لحد تحطيم الأيقونات، فغنوا لأم كلثوم "ياولية عيب اختشي.. يا مرضعة قلاوون" ولعبد الحليم حافظ "لماليمو الشخلوعة الدلوعة هيتأوه ويتنهد ويموت" و"يا واد يا يويو" ليوسف السباعي، ليمتد الأمر ويشمل الرئيس أنور السادات في أغنية "أوأه المجنون أبو برقوقة".
قدما مجموعة من الأغاني الساخرة، لتؤرخ للأحداث السياسية اليومية، حتى زيارات رؤساء الدول، يزور الرئيس الأمريكي نيكسون مصر، فيستقبله الطلاب بأغنية يجهزها الشيخ في غضون ساعات بعنوان "نيكسون بابا"، وحين جاء الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان لزيارة مصر داعيًا للانفتاح واقتصاد السوق، حياه إمام بأغنية تجعل من الرئيس الفرنسي أضحوكة.
في منتصف الثمانينيات، بدأ الشيخ إمام تلقي دعوات من وزارة الثقافة الفرنسية، لإحياء بعض الحفلات في فرنسا، بعد أن حققت حفلاته إقبالًا جماهيريًا كبيرًا، وفي الوقت نفسه بدأت الخلافات تدب بين ثلاثي الفرقة الشيخ إمام، ونجم، ومحمد علي عازف الإيقاع، لم تنته إلا قبل وفاة الشيخ إمام بفترة قصيرة.
ورحل الشيخ إمام عام 1995، بعد أن قدم الثنائي معًا مجموعة كبير من الأعمال التي لم تمحي من التاريخ "جيفارا مات"، "يعيش أهل بلدي" و"شيد قصورك" وغيرها العشرات من أعمال خلدت علاقة صداقة فنية، وإنسانية تعدت حدود الزمان والمكان، كانت ومازالت لسان المصريين عن اثنين من الفنانين الصعاليك، حين تسمع كلمات إمام ممزوجة بألحان إمام، تخرج من حنجرتهما معًا "حلوين وحياتك يا بلدنا، يا أم الخيرات المسروقة، احنا اللي رمينا البذراية، وروينا الأرض المعزوقة، وحنحصد بكرا وحنغني، وعيون الخاين مخزوقة".