بالفيديو | الكهرباء فى «شق التعبان».. «شخلل تنور»
بين طرق متعرجة أرضها غير ممهدة يكسوها غبار تقطيع الرخام، على بُعد عدة أمتار من المدخل إلى هذه التعريجات مصانع هجرها أصحابها، وأخرى تسمع ضوضاء آلات تقطيع «بلوكات» الرخام الخام وجليه، من بينها مصانع تحمل أسماء بالخط الصيني، مساحة مفتوحة قد تصل إلى 4 ملايين متر مربع، نظر إليها صينيون بعين ليست كعين الحكومة المصرية.
«شق الثعبان» التى سُميت كما رُسمت على الخريطة، أنشئت كمنطقة لإنتاج الرخام والجرانيت بعشوائية منذ 1990 فى منطقة طرة، جنوب حى المعادى، بها حوالى 1300 مصنع وورشة لتقطيع وتصنيع الرخام الذى يأتى من محاجر رأس غارب والمنيا والعين السخنة، وبالرغم من أنها الأولى فى إنتاج الرخام فى مصر والرابعة بعد إيطاليا والهند والصين، فإن حوالى 50% فقط من مصانعها تصل إليها المرافق المهمة كالكهرباء، بالرغم من دفع المستأجرين للمستحقات وتقنين أوضاعهم.[SecondImage]
وتجاهل الحكومة لهذه المنطقة حولها إلى سوق عشوائية لكثير من الصينيين الموجودين فى مصر، ويحصلون على دعم مالى من بلادهم للاستثمار والتجارة وإدخال نوع جديد من الخامات إلى الصين، بعد توقيع وزارة المالية فى عهد بطرس غالى عدة اتفاقيات اقتصادية مع الصين تتيح لها أخذ بلوكات الرخام من محاجر أسوان والمنيا ومختلف أنحاء الجمهورية بأسعار زهيدة، والصينيون الموجودون فى المنطقة إما يدرسون فى الأزهر، أو محكوم عليهم بأحكام بالسجن لمدة معينة يقضونها خارج الصين.
أزمة داخل الشق سببها الواسطة والفساد، يروى الحاج زهنى، أحد أصحاب المصانع المغلقة، كيف فرض الصينيون سيطرتهم هناك، بداية من شراء «الطولات»، هى ألواح الرخام التى فى شكلها الأخير، ثم تطوروا لبيع وشراء البلوكات الكبيرة التى تخرج من المحجر إلى التصنيع بين المصانع والورش، حتى قامت الحكومة الصينية بوضع خطة تطوير لأكثر من 500 ورشة بالصين، أعطت القروض للمستثمرين الصينيين بمصر ليتوصلوا إلى المحاجر وشراء البلوكات بأسعار أغلى من صاحب المصنع المصرى، إلى أن استطاعوا بعقود من الباطن تأجير وشراكة العديد من المصانع، والتحكم فى السوق الدولية والمحلية، وبشكل غير قانونى حل المستأجر والفنى الصينى محل المصرى.
ويضيف «أنا راجل علىَّ أقساط.. ده خراب بيوت»، الكهرباء السبب فى غلق المصنع ليتحول استثمار حوالى 8 ملايين جنيه إجمالى ما تم جمعه فى 13 عاماً، مشواره بشق الثعبان، إلى «حطام»، ذلك بعد أن قام صاحب مصنع «توت» ذى الشراكة الصينية، بالاستيلاء على أحمال الكهرباء بتشغيل أكثر من ثلاث آلات، بمساعدة أحد أقاربه يعمل مهندساً بشركة كهرباء المعادى.
كمثله عرض عليه المستثمرون الصينيون تأجير مصن[ThirdImage]عه لكنه رفض، «أنا راجل مستثمر عايز أشغل معارفى وأقاربى.. وعلشان رفضت بقى ده حالى»، العديد من الشكاوى التى توجه بها الحاج زهنى إلى اجتماعات غرفة المحاجر باتحاد الصناعات وشركة الكهرباء لكن بلا جدوى، «حتى علشان أرجع أشغل المصنع مرة أخرى يلزمنى حوالى نصف مليون جنيه.. أجيبهم منين؟».
الثروة التى تتمتع بها مصر من الرخام والجرانيت والأيدى العاملة استغلها الصينى فى احتكار السوق الدولية، فهو كمستثمر لديه سيولة مالية، تتوفر له المرافق كالكهرباء والمياه، ليس عليه التزامات تجاه الدولة فهو يعمل بالباطن، يعرض الرخام بأسعار أقل ليضرب المستثمر المصرى، فى الوقت الذى يبيع الفائض من التصدير إلى السوق المحلية بأسعار زهيدة.
أدت أزمة غلق المصانع بالشق إلى تسريح حوالى 60 عاملاً لثلاث ورديات بالمصنع الواحد، سامى على عبدالغفار، رئيس عمال مصنع الحاج زهنى، يؤمن بأن الأرزاق بيد الله، لكن «الصينى حظه أحسن من المصرى» فأصحاب المصانع تُفصل عنهم الكهرباء بسبب تعنت من جانب الوزارة بالرغم من دفعهم مستحقات العداد، لكن الصينى يعطيه «الإكرامية» لأن فلوسه كثيرة. «الغريب حلو» حسب وصفه، الأمر الذى نفاه المهندس حسين الصاوى، رئيس قطاع كهرباء جنوب القاهرة، قائلاً لا يوجد أحد متعاقد مع الشركة ومقنن وضعه يتم سحب الكهرباء أو العداد منه.
يقول سامى إن المستأجر الصينى يعطى العامل المصرى يومية أكثر من المصرى، لكنه لا يؤَّمن عليه فى حال حدوث إصابة داخل ساعات العمل التى تمتد إلى 12 ساعة يومياً فى ورديتين، «أنت كسورا.. أنت مفيش شغل» كلمات يسمعها العامل الذى يصاب، على عكس المصرى «ابن بلدك» الذى يتكفل بنقلك وعلاجك.
«ده خراب بيوت.. المصنع ده كان فاتح بيوت ناس كتير» قالها أحد العمال الذى لم يكمل السابعة عشرة من عمره، توقف حاله بسبب رفض الصينيين تشغيله لصغر سنه.
استمرار الغياب الرقابى والأمنى فى منطقة الشق، دفع «العرب» إلى الاستيلاء على الأراضى والمصانع، إلى جانب رفعهم اللوادر للحفر فى جبال تقع خلف خط مصانعهم، التى ظن العاملون بمصانع الشق أنها تمتد إلى محمية وادى دجلة بزهراء المعادى، إلا أن المهندس طارق القنواتى، مدير قطاع المحميات بوزارة البيئة، نفى ذلك، إلا أنه أكد وجود جزء من الشق ضمن المحمية أقيمت عليه مصانع عديدة مقننة أوضاعها مع المحافظة، الأمر الذى تقرر فى عدة مناطق مثل محاجر جبال سانت كاترين وبرانيس بأسوان، وأضاف القنواتى أن القطاع يقوم بتقديم بلاغات كثيرة كل أسبوع تصل غرامتها من 2 إلى 3 ملايين جنيه مصرى.