الدستور الأمريكي.. أقدم دستور مكتوب في العالم والأكثر كفاحًا من أجل الحرية
ما إن تم نشر المسودة الكاملة للدستور المصري، حتى دار الكثير من النقاش والجدل والقبول والرفض والتفسير، وتناقلت الألسن مواده ما بين توضيح لفائدتها او تحذير من خطورتها. وفي محاولة للفهم كان من المهم الاطلاع على بعض الدساتير الأخرى، ورؤية كيف كانت، ومدى تقاربها أو تباعدها عن المواد المقترحة للدستور الحالي.
البداية مع الدستور الأمريكي، أقدم دستور مكتوب والذي لا يزال العمل به جاريًا في العالم أجمع، كما أنه الوثيقة المؤسسة للحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة الأمريكية، ويشكل القانون الأعلى للبلاد. وإذا ما نظرنا للقضية الأساسية التي يهتم بها الدستور الأمريكي فهي قضية الحرية بشكل عام.
وفقًا للدستور فإن الحكومة الفيدرالية الأمريكية تتشكل من ثلاث سلطات منفصلة، وهي السلطة التشريعية التي يمثلها الكونجرس بغرفتيه "النواب والشيوخ، والتنفيذية الممثلة في رئيس الولايات المتحدة المنتخب وإدارته، والسلطة القضائية المتمثلة في المحكمة العليا للولايات المتحدة، ويعمل الدستور على تنظيم العلاقات بين تلك السلطات.
مواد الدستور الأمريكي اعتمدت على نظريات فلسفية لبعض الفلاسفة، مثل الفلاسفة الإنجليز جون لوك، وتوماس هوبز، وإدوارد كوك، والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، وقد دعا الكونجرس إلى كتابته في مؤتمر عقده في الرابع عشر من مايو عام 1784، وجاء النواب من الولايات المختلفة إلى فيلادلفيا، التي كانت هي العاصمة الفيدرالية في ذلك الوقت، حيث جرى أول مؤتمر لاختيار أول رئيس للولايات المتحدة، ووقع الاختيار على جورج واشنطن، الذي كان نائبًا عن فرجينيا، بعد رفض بنيامين فرانكلين اختياره للمنصب نظرًا لكبر سنه وقتها، 81 عامًا، وبعد ذلك بدأوا في مناقشة الدستور الجديد، وهي المناقشات التي شهدت مساجلات قوية ومشادات واختلافات، لكنها انتهت كلها بإقرار الدستور بافتتاحية تقول: "نحن شعب الولايات المتحدة، رغبة منا في إنشاء اتحاد أكثر كمالا، وفي إقامة العدالة، وضمان الاستقرار الداخلي، وتوفير سبل الدفاع المشترك، وتعزيز الخير العام وتأمين نعم الحرية لنا ولأجيالنا القادمة، نرسم ونضع هذا الدستور للولايات المتحدة الأمريكية".
جرت كثير من التعديلات على الدستور الأمريكي، أولاها كانت التعديلات العشرة المسماة "وثيقة الحقوق" والتي اقترحت في الخامس والعشرين من سبتمبر 1789، وتم إقرارها في 15 ديسمبر 1791، ثم كان التعديل الحادي عشر المقترح في مارس 1794 والذي تم إقراره في فبراير 1795، وتوالت التعديلات حتى بلغت سبعة وعشرين تعديلا، آخرها هو التعديل السابع والعشرين المقترح في 25 من سبتمبر 1989 وتم إقراره في 7 من مايو 1992.
الدستور الأمريكي يمكن اعتباره وثيقة علمانية لا يُذكر فيها أي شيء يتعلق بالله أو الدين، إلا في المادة التي تؤكد على عدم التمييز بين الناس على أساس عقائدهم، والمادة التي تمنع الكونجرس من إصدار قوانين قائمة على أساس الدين.
يلتقي الدستور الأمريكي مع مسودة الدستور المصري في بعض الموضوعات، منها الحريات والحقوق المدنية، حيث أن حرية العبادة وحرية التعبير والصحافة والتظاهر مكفولة في الدستور الأمريكي وفقًا للتعديل الأول في وثيقة الحقوق، كذلك تكفل وثيقة الحقوق نفسها حق المواطنين الأمن وعدم القبض عليهم أو اعتقالهم إلا بصدور مذكرة اتهام، وهو نفسه ما يوجد في الباب الثاني من مسودة الدستور المصري تحت عنوان "الحقوق والحريات والواجبات العامة"، والتي تكفل الكرامة الإنسانية والمساواة التامة أمام القانون دون اعتبارا لجنس أو أصل أو لغة أو دين أو رأي، كما أنه لا يجوز القبض على أي مواطن أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي شكل إلا بأمر مسبب من القاضي.
يختلف الدستور الأمريكي أنه لم يحدد الديانة الأساسية للولايات المتحدة، في حين أن الدستور المصري حدد ذلك في المادة الثانية التي تنص على أن الدين الإسلامي هو الدين الرسمي للدولة.
بالنسبة لرئيس الدولة فإن الدستور الأمريكي ينص أن فترة ولاية الرئيس أربع سنوات تنتهي في العشرين من يناير من كل فترة، بينما في الدستور المصري لا تتحدد المدة بشكل واضح، بل تقر بأن فترة الرئاسة هي أربع سنوات وتتم إجراءات الانتخابات قبل انتهاء فترة الرئيس بتسعين يومًا على الأقل، كما يجب أن تعلن النتيجة قبل عشرة أيام على الأقل قبل انتهاء الفترة الرئاسية، وذلك وفقًا للمادة 135 من المسودة.
في حالة وفاة الرئيس في الدستور الأمريكي قبل موعد بدء ولايته فإن نائب الرئيس يصبح رئيسًا، وإذا لم يكن قد تم اختيار رئيس قبل الموعد المقرر لبدء الولاية فإن نائب الرئيس أيضًا يصبح رئيسًا، بينما في مسودة الدستور المصري فقد ذكرت المادة 141 أنه في حالة قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة الرئيس لمهامه أصبح رئيس الوزراء هو الرئيس، بينما إذا حدثت وفاة أو عجز أو استقالة، فإن مجلس النواب يعلن خلو المنصب ويخطر الجهات المختصة، ثم يباشر رئيس مجلس النواب مهام رئيس الجمهورية، ويحل مكانهما مجلس الشيوخ ورئيسه في حالة حل مجلس النواب.