مصر «فى التلاجة».. سكان الشوارع يبحثون عن «فرش وغطا»
على الأرصفة وأسفل الكبارى وأمام المساجد وعلى أبواب محطات المترو، تجدهم منكمشين. «ركبهم» تكاد تلامس صدورهم من شدة البرد. لا يملكون فرشاً دافئاً يختبئون فيه من موجة برد قارسة، وليس فى مقدورهم حمل كوب ساخن ليعيد جريان الدم المتجمد فى عروقهم. فقط قطعة قماش بالية يخفون فيها أجسادهم النحيلة، أو بطانية يلتفون فيها فلا يظهر منهم وجه ولا يد.[SecondImage]
«نومة الشارع» لم يخترها «إبراهيم»، بينما اختارته هى. يضع الرجل الخمسينى ورق كارتون أسفله ليحميه من «سقعة الأرض». يضع شبشبه إلى جانبه، تمهيداً لموعد نومه فى الحادية عشرة مساءً بمنطقة السيدة زينب. ملابسه نظيفة، فرغم أن الشارع مسكنه، فإنه يهتم بهيئته كثيراً. بحزن واضح على وجهه يسرح بالساعات، يغلق عينيه، يقلب ذكرياته، فثلاثة أعوام وهو يجلس نفس الجلسة.
«كنت عايش فى شقة العيلة، وكنت بشتغل جزار، لكن مشاكلى مع إخواتى خلتنى فى الشارع»، قالها «عم إبراهيم» للمارة باكياً.
«محدش فى البلد دى فاضى يشوف مشاكل حد، أنا عمرى ما كنت أتخيل إنى هيجى يوم وأنام فى الشارع»، قالها «عم إبراهيم»، الذى يجيد القراءة والكتابة، ولا يتمنى أى شىء سوى عمل ومسكن.[ThirdImage]
حال عبدالرحمن السيد يبدو أكثر صعوبة فمنذ 15 عاماً وهو ينام على الأرصفة، يتنقل كل فترة من رصيف إلى آخر. يضع حذاءه تحت رأسه ويغط فى نوم عميق. لا يوقظ الرجل إلا صدقة تضعها سيدة إلى جواره، فتوقظه من سابع نومة. علبة فيها طعام ذو رائحة شهية. يستيقظ منتفضاً ليشبع البطن الذى لم يذق الطعام منذ فترة طويلة.
«أنا بلوم الدنيا عشان هى وحشة، وبعتب على الحكومة ومابحبهمش عشان قاسيين عليا أنا واللى زيى، غير أنهم مش بيساعدونا، كل شوية يمسكونا بتهمة التسول، وكله أونطة فى أونطة، أصل إحنا فى بلد الأونطة»، قالها الرجل الستينى، الذى لم يتزوج ولا يتمنى سوى غرفة تحميه من برد الشتاء.
«أنا بنام فى الشتا من غير غطا، وفى الصيف ما بعرفش أنام من الحر، لكن ما عنديش حل إلا كده».. كلمات تخرج من صوت مرتعش أنهكه برد الشتاء.
أما تيم رجب، فينام فى الأرض منذ حوالى العام، كان يعمل فراناً فى إسطبل عنتر، لديه ولد من طليقته، لا يعرف مكانه.