بروفايل| "المعجون بالفن".. منير مراد
"محدش شاف عبد الوهاب؟ أنت أنت نعيمي وناري، محدش شاف ليلى مراد.. أبجد هوز حطي كلمن شكل الأستاذ بقى منسجمًا، محدش شاف محمد فوزي.. عوازلي لاموني وأهلي فاتوني حرام يا روحي، محدش شاف عبدالمطلب.. أنا وأنت في الهوا من صغرنا سوى والحب مالوش دوا يا هوى، محدش شاف فريد الأطرش؟ ده قالي وقولتله ومالي وملتله، محدش شاف منير مراد.. ذاك الشقي الذي لم يفلت أحدا من تقليده بخفة ظله و"شعننة" روحه وتعابير وجهه.
على ألحان الموسيقى ولد موريس ذكي مراد، في 13 يناير 1920، وشب على صوت أبيه أشهر مطربي عصره، وعلى أنغام شقيقته ليلى مراد تذوق العذوبة، بيئة فنية خالصة كفيلة بإنشاء فنان بالفطرة، خاصة وأن كبار الملحنين كانوا يرتادون منزل العائلة كمحمد عبد الوهاب، وزكريا أحمد، ورياض السنباطي، حينما كانوا يغذون شقيقته بألحانهم، فبات الغناء والموسيقى وجبة دسمة تلقاها على يد عائلته يوما بعد يوم.
في مدرسة فرنسية تلقى دراسته، التي لم يكن متفوقا بها، حصل على الثانوية ثم التحق بالكلية الفرنسية ولم يلبث حتى تركها وهو في السابعة عشرة من عمره، عمل في التجارة حينا، ثم اتجه بعدها للسينما من خلف الكاميرات، فعمل كعامل كلاكيت مع المخرج توجو مزراحي، ثم كمساعد مخرج مع كبار المخرجين أمثال كمال سليم، وحسن الصيفي، وأحمد بدرخان، لتكون حصيلة الأفلام التي ساعد في إخراجها 250 فيلمًا.
خبرة فنية واسعة المدى اكتسبها مراد نتيجة عمله كمساعد مخرج، حيث تلقى مدارس فنية عديدة وممثلين ومطربين من طرز مختلفة، صبت في مصلحته، بعدها اتجه للتلحين، وكان الجاز الرائج حينها هو أول ما جذبه، لم يفلح في إقناع المنتجين بهذا النوع من الموسيقى، فانطلق بتلحين "واحد.. اتنين" لشادية، والتي كانت بمثابة "طاقة القدر" حيث فتحت الطريق له أمام المطربين ومنتجي الأفلام ليقوم بتلحين الأغاني.
خلطة فنية مزجت بين التلحين والتمثيل والاستعراض والسيناريو والإخراج، "معجونًا بالفن" كما قال عن نفسه، وإذا ذكرت سيرة "مراد" الملحن، فيجب ذكر اسم الفنانة "شادية"، حيث كان منير مراد من أكثر الملحنين الذين تعاونت معهم، فقدم لها حوالي 70 لحنًا على مدار تعاونهم الفني الذي استمر 20 عامًا.
نجاحات منير مراد مع شادية، لفتت إليه انتباه العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، فغنى من ألحانه العديد من الأغنيات سواء كانت رومانسية ناعمة، أو تلك التي تتسم بالبهجة والفرح، ومن أشهر تلك الأغنيات، و"حياة قلبي وأفراحه"، و"أول مرة تحب يا قلبي" و"بكرة وبعده" و"بحلم بيك" و"دقوا الشماسي" و"مشغول" و"ضحك ولعب وجد وحب"، وغيرها.
ذكاؤه الفني، كان سببًا في امتداد علاقته مع العندليب من مجرد تعاون فني إلى علاقة صداقة، فكان "مراد" من أقرب أصدقاء عبدالحليم خلال العشر السنوات الأخيرة من عمره.
"سابق عصره".. موهبته لن تتوقف عند الغناء والتلحين، لذلك اتجه إلى التمثيل، فخاض التجربة أول مرة مع شادية في فيلم "أنا وحبيبي"، الذي قام بتأليفه وتلحين كافة أغنيات شادية في الفيلم، إضافة إلى أنه كان مساعدًا للمخرج أيضًا، النجاح الذي حققه منير مراد من خلال فيلمه الأول شجعه على تكرار التجربة من خلال فيلم نهارك سعيد للمخرج فطين عبدالوهاب، حيث قدم في هذا الفيلم التوليفة التي قدمها في فيلمه السابق، من رقص وغناء واستعراض، وعلى الرغم من ذلك لم يحقق الفيلم النجاح المنتظر، وفي نفس العام قدم دورًا صغيرًا في فيلم موعد مع إبليس، مع زكي رستم ومحمود المليجي، وبعد هذا الفيلم قرر الاكتفاء بما قدمه من أفلام، والتركيز بشكل كامل على التلحين.
ملأ الدنيا صخبًا وفرحة بألحانه وأعماله الفنية المميزة، إلا أنه رحل في هدوء، حينما توفى في 17 أكتوبر عام 1981 عن عمر يناهز 59عامًا، وقد جاء رحيله دون أي اهتمام إعلامي، لأنه توفى بعد أيام قليلة من اغتيال الرئيس السادات.