مغامرة صحفية لشراء أسد وقرد من داخل حديقة الحيوان بالجيزة
المرور بجوار أقفاص حديقة الحيوان والتقاط «سيلفى» مع بعضها جائز، أن تتعرّض لإلحاح الحراس، حتى تمد يديك لإطعامها مقابل جنيهات وارد، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، لكن أن تذهب إلى جوار أحد الأقفاص ويعجبك أحد الحيوانات، فيُقدم لك الحارس عرضاً خاصاً لشراء أى نوع من الحيوانات الأليفة كانت أو المفترسة، فهذه جريمة يُعاقب عليها القانون المصرى قبل قانون حماية الحياة البرية العالمى، فيما يجرى البيع بمنتهى السهولة، ولأى أنواع من الحيوانات الأليفة والمفترسة، بمجرد الاتفاق على السعر، فضلاً عن بيع وشراء أنواع كثيرة من الحيوانات فى أسواق بالقاهرة، دون حسيب أو رقيب.
فى مغامرة قامت بها «الوطن»، حاولت من خلالها السعى لشراء حيوان مفترس، وآخر أليف من داخل الحديقة الأم بالجيزة، خطوات استغرقت عدة أشهر، ما بين الاتفاق على السعر، وترتيب كيفية تسلُّم «البضاعة»، بعيداً عن أعين الجهات الرقابية، التى بدورها نفت رصدها أى عملية بيع جرت بهذا الشكل، وسط تشديد المسئولين أنهم فى انتظار الحصول على أى دليل، يؤكد فرضية بيع حيوانات الحديقة بشكل غير شرعى، فى حين أكد بعض القائمين على متابعة الحياة البرية فى مصر، أن حجم تلك التجارة بالفعل بلغ ذروته، لتكون التجارة الأكثر رواجاً بعد المخدرات، فقد تخطى حجم الاتجار عالمياً فى الحياة البرية 200 مليار دولار، 60% منها تجارة غير شرعية، و40% تجارة شرعية.
بدأت رحلة البحث عن بائع من أمام جزيرة القرود فى حديقة الحيوانات بالجيزة، حيث تصطف عشرات الأسر بصحبة أطفالها، يستمتعون بمتابعة الحيوان الأكثر إمتاعاً للأطفال، بعضهم يتبرّع بإطعام القرود ببعض مما أحضروه من طعام، والبعض الآخر يراقب أطفاله فى طريقهم إلى حارس أربعينى يمد يده إليهم بعصى كبيرة مدبّبة من الأمام، يدس فيها بعض الخضراوات، ويعطيها إلى الطفل ليُطعم بعض القرود فى الأقفاص الحديدية المغلقة، ينادى عليهم بأسماء خاصة، مشهد يتكرّر آلاف المرات، ينتهى الطفل من إطعام الحيوان، فيقبل الأب ليدفع «حلاوة» الحارس بضعة جنيهات، ثم يوجه العامل كلامه إلى الطفل، قائلاً: «المفروض بابا يجيبلك قرد تربيه فى البيت»، يبدأ بعدها حوار بين الأب والعامل عن البيع والشراء، يتحدّث فيه الحارس على استحياء وترقّب، وبعد دفع مبلغ أكبر له، بغرض تأكيد الرغبة فى الشراء، يبدأ فى تقديم عرضه بشكل مختلف.[FirstQuote]
«أنا ممكن أجيب اللى أنت عايزه من أى مزرعة بره»، هكذا يبدأ العامل تقديم معلومات عن بضاعته، يرفض الحديث عن السعر، لحين سؤاله للتجار، يؤكد أن الأمر سوف يستغرق بعض الوقت، ولكنه يحتاج إلى مبلغ على سبيل «العربون» للتأكّد من جدية الشراء، يدفع له 100 جنيه، ومعها رقم الهاتف، لحين إحضار مبلغ أكبر فى مقابلة أخرى، لحين التعرّف على كيفية الشراء والأسعار التى تختلف، باختلاف سن القرد.
تمر عدة أسابيع حتى يتصل عامل الحديقة، أو كما يطلق على نفسه أحد حراس الحيوانات، يبلغ المشترى: «يا باشا الحاجة بتاعتك جاهزة، شوف هتيجى إمتى تدفع العربون»، مكالمات ومقابلات مسجّلة جميعاً، يتم تأجيل المقابلة لحين تجهيز عربون جيد، ومع تحديد موعد جديد يطلب فيه المشترى، المتمثل فى جريدة «الوطن»، السعى لشراء شبل صغير، إلى جانب القرد المتفق عليه، يطلب الحارس مقابلة للاتفاق الجديد، وللانتهاء من عربون الحيوانين معاً، أيام قلائل وتعود «الوطن» لمقابلة الحارس، فى تلك المرة لن يتحدث كما فعل من قبل أمام المارة، أو بجوار أقفاص القرود، لكنه يسمح لنا بالدخول إلى استراحة الحراس، بجوار بعض الأقفاص، وتبدأ عملية البيع تدخل حيز التنفيذ، بحوار دام أكثر من نصف الساعة، تم خلالها الاتفاق على طلب «شبل صغير» عمره 4 أشهر، وبمجرد مقابلة العامل الذى تحتفظ الجريدة باسمه، حصل على 100 جنيه، قائلاً: «شوفوا هتعوزوا الحاجة إمتى ونجيبها فين»، لنؤكد له أننا «عايزين أسد صغير من عمر شهرين إلى 4 أشهر مع القرد»، ودون تردّد أو انتظار، يقول العامل «لو عايز فيل صغير، أنا أجيبهولك»، متبوعة بجملة أخرى «بس الحاجات دى غالية قوى، ممكن يوصل لـ10 آلاف جنيه أو أكثر»، يسأل عن هويتنا فى منتصف الحديث، فيتأكد أننا مجرد وسطاء لصاحب إحدى فيلات التجمع الخامس، الذى يريد إيواء بعض الحيوانات فى مسكنه، يطمئن، ويشعر أن الأمر فيه خير وفير، فيقدم عرضاً آخر «النمر العربى مش سهل تلاقيه، لكن ممكن أجيبهولك، عندى ذكر وأنثى بس غالى شوية، الواحد منهم بـ150 ألف جنيه، عنده سنة ونص أو سنتين»، نجيبه بالاكتفاء حالياً بالقرد والشبل، يتم تصوير الحوار صوت وصورة، وينتهى بالتأكيد أن الموعد المقبل سيكون تسلُّم الحيوانين، وتسليمه المبلغ المتفق عليه.
لم تتوقف طرق البيع غير الشرعى للحيوانات فى مصر على التجارة السرية مع عمال الحديقة فحسب، ففى أحد اتصالات حارس القرود ذكر لنا أن هناك مصوراً طلب منه قرداً لبيعه لأحد الأفراد ولكنه فضلنا عليه، مشيراً إلى أن الأمر يسير على هذا النحو دون مشكلات، ولكن مع بعض الحذر ليس أكثر، وكذلك إذا تم التواصل مع أحد التجار المعروفين ببيع الحيوانات، الذى أجرت «الوطن» اتصالاً معه، وهو أحد الأطباء البيطريين، الذى سبق له العمل فى الإشراف على حدائق الحيوانات، كان الوصول إلى وسيلة عبر عامل آخر بالحديقة يدعى «أ. ش»، أكدنا له أننا نعمل لدى أمير عربى، مقيم فى القاهرة الجديدة، يرغب فى شراء نمر صغير، لكنه رفض أن نشاهد النمر أولاً، مقابل أن ندفع جزءاً بسيطاً من الثمن، لا يقل عن عدة آلاف، وليس مجرد عربون 100 جنيه كمن سبقه، ولكنه قدم عرضاً بإمكانية جلب صور فوتوغرافية للنمر، قائلاً «الناس هترفض أنك تشوف الحاجة وتخرج، لكن لو عايز تجيب طبيب بيطرى معاك يشوف الحاجة قبل ما تشتريها مفيش مشكلة، لكن فى حالة إذا كان النمر لا يوجد به أى مشكلة، لا بد أن تدفع الفلوس وتستلمه فى الحال».[SecondQuote]
بعد رصد «الوطن» للطرق غير الشرعية لبيع الحيوانات البرية من خلال مقابلات واتصالات مباشرة مع التجار، كان هناك على الجانب الآخر تجارة تتم على مرأى ومسمع من الجميع، وهى التى تتم فى سوق الجمعة بمنطقة السيدة عائشة، حيث يقف بعض الشباب حاملين بعض السلاحف الصغيرة لبيعها أسبوعياً، والتى تعد ثروة قومية على حد قول الدكتورة دينا ذوالفقار، الناشطة فى مجال حقوق الحيوان، وعضو اللجنة المشرفة على الحدائق المركزية، ممثلة من المجتمع المدنى، والتى أكدت أن السلحفاة المصرية تهرب للخارج بـ50 دولاراً تقريباً، وهى الأشهر فى عمليات الاتجار بين الدول، ودخل المنافسة معها أيضاً الضفدع المصرى، المطلوب فى الدول الأفريقية تحديداً، لأنه مفيد ويأكل الكثير من الحشرات، وفقاً لدوره فى دورة الحياة.
وتابعت «ذوالفقار» قائلة إن «البيع والشراء موجود ومسموح به من خلال إدارات حدائق الحيوانات بالبدل والبيع، ولذلك هناك أهمية لموضوع المصادرات مثل مصادرات المطار على سبيل المثال، فى المطارات ليس هناك توضيح لما هو ممنوع أو مسموح بسفره من الحيوانات والطيور البرية، وتكتفى إدارة الحياة البرية بالمطار بمذكرة تسليم لحديقة الجيزة رغم أن القانون 102 أو 9 يحتم ضرورة وجود غرامات وعمل محضر رسمى، ولكن لا يتم أى منهما، ولا يتم إعادة ما هو مصرى المنشأ، المرة الوحيدة التى تم فيها ذلك كانت منذ 13 سنة، وقت ما كان هناك إدارة حياة برية، والجهاز المركزى للمحاسبات يتابع القصة من خلال رجل ليس فى النهاية خبيراً بيطرياً، ليعرف كل حيوان يلد بمعدل كم مولود، وهل تتكاثر مرة أو مرتين سنوياً، هو فقط يجرى حصراً لما هو موجود أمامه ليس أكثر، ومن هنا تبدأ التجارة غير الشرعية».
وعن عملية الشراء التى قامت بها «الوطن» لإثبات وجود هذه التجارة غير الشرعية بعدة طرق قالت «ذو الفقار» إنه «متوقع أن يتم ذلك من داخل الحديقة أو خارجها، لأن فى النهاية جهاز الحياة البرية مجرد (مكاتب وكراسى وشلت)، وإذا أردت الإبلاغ عن بيع غير شرعى لن يجيبك أحد، ولا يمتلكون إحصائيات بالحيوانات التى زاد أو قل إنتاجها، وعندما سألتهم من قبل قالوا: لا توجد إمكانيات لعمل إحصائيات، ولذلك وفقاً للاتفاقية الدولية لتنظيم الاتجار فى الحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض (السايتس)، أكدوا أن الاتجار فى الحيوانات فى مصر هو الأكثر رواجاً بعد السلاح والمخدرات».