الأقصر بلدنا.. بلد خرافات المدام «اتسخمت» يعنى «اتكرنكت» يعنى «حامل»
أسد أسود فى غرفة مظلمة: ركّزى يا مدام.. ركزى كمان.. ركزى.. ألف مبروك يا بلدينا.. المدام «اتسخمت».. يعنى «اتكرنكت».. يعنى «حامل».. سبعون متراً تقريباً تفصل بين صالة الأعمدة و«معبد بتاح» الذى يعد جزءاً من معابد الكرنك، والذى تقصده السيدات لتحقيق حلم الإنجاب: يكفى النظر فى تمثال «سخمت» القابع فى غرفة مظلمة ليحدث الحمل. التمثال الذى صُمّم على شكل أسد ذى وجه أسود يقبع فى غرفة لا يدخلها ضوء، ويفصلها عن المعبد باب عملاق يُحدث صوتاً مخيفاً عند فتحه، وما إن يُفتح حتى تجد التمثال وقد لمعت عيناه، كأنما ينظر إليك فى غضب.
خرافات الكرنك ليست فى هذا التمثال فقط. الكثيرون يعتقدون أن مياه البحيرة المقدّسة والجعران المجاور لها تجعل العاقر تنجب وبسرعة غير متوقعة. وهناك أيضاً معتقدات تمنع لهو الأطفال إلى جوار السور الغربى للمعبد، خشية غضب «أم العدانى».
«أم العدانى» وفقاً للباحث «عبدالمنعم عبدالعظيم»، مدير مركز الصعيد للتراث، قصة قديمة تقول إن 7 أطفال فى منطقة الكرنك كانوا يلهون فى عشرينات القرن الماضى، فانهال عليهم تل ترابى فدُفنوا وماتوا جميعاً. وعندما أخرجهم الأهالى من تحت التراب وجدوا بالقرب من جثامينهم الإله «سخمت»، فاعتقدوا أنه هو «أم العدانى»، وأنه السبب فى وفاتهم، وحتى الآن يخشى الأهالى هذا الأمر، وينهَون أطفالهم عن اللعب عند السور الغربى الذى شهد الواقعة. وهناك خرافة أخرى ارتبطت ببوابة المعبد عن قرد كان يخرج ليلاً ويتعلق بالبوابة ليحرس كنوز المعبد، وكان الأهالى يطلقون عليه الاسم الشعبى «عطا الله»، وحتى الآن يعتقدون أنه يخرج ليلاً. وهناك خرافة شهيرة كانت ولا تزال تشغل أهالى الكرنك، هى «الذهبية»، أى المركب الصغير الذى يُبحر ليلاً فى البحيرة المقدسة ويتكوّن من الذهب الخالص.. والمحظوظ فقط من يرى ويلمس هذا المركب وينهل من كنوزه. ويُحكى أن الأهالى يشاهدون المركب من بعيد، وعليه حسناوات يرقصن على أنغام موسيقى فرعونية.
أحد خفراء المعبد -رفض ذكر اسمه- أكد أن الجميع يعلم أن الحرائق التى تندلع بين الحين والآخر فى محيط المعبد من فعل «الرصد» الذى يحرس كنوزه. وهناك ديك عملاق خرج للبعض فى «معبد موت»، إلا أن الأثريين كذّبوا ذلك لأنهم يذهبون إلى بيوتهم عصراً ويتركوننا للمبيت لحراسة المعبد الذى تبلغ مساحته عشرات الأفدنة، ولا يستطيع أصحاب القلوب الضعيفة المبيت فيه. والكثير من السيدات يأتين من بلدان بعيدة حتى الآن لزيارة «معبد بتاح» ومشاهدة تمثال الأسد المخيف «سخمت» لتحدث لهم «الخضة» التى تتسبب فى الحمل، والكثير منهن يحملن.. لكن الأثريين يرفضون هذه الطقوس والمعتقدات، ويعتبرونها خرافات. ويقول «أحمد البدرى»، مرشد سياحى، إن الأهالى يعتقدون أن بعض أعمدة الكرنك مصنوعة من الذهب، رغم أنها من الجرانيت وظاهرة للجميع. ويقال إن ذلك أخفى عن الناس عن طريق السحر الذى كان يستخدمه الفراعنة حسب معتقداتهم. ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل كانوا يعتقدون أن بإمكانهم الاستماع إلى صوت معدنى عند الدق فوق هذه الأحجار. ويقول الخبير الأثرى «سلطان عيد»، مدير آثار الأقصر، إن الأثريين سئموا محاربة هذه الخرافات التى يقتنع بها مصريون وأجانب مع الأسف. وأكثر الخرافات المرتبطة بالكرنك هو زيارة السيدة التى لا تحمل إلى معبد «مرنبتاح»، ودخول غرفة مظلمة بها تمثال على شكل أسد أسود مخيف.
ويضيف: «كثير من أبناء الأقصر يُعبّئون مياهاً من البحيرة المقدّسة ويحملونها إلى بيوتهم لتستحم بها السيدات اللائى لا يحملن. ولا يعلم هؤلاء أن مياه البحيرة الآن تأتى عبر مواسير متصلة بنهر النيل، ولا توجد أدلة أو كتابات أو نقوش تؤكد أن الفراعنة كانوا يستخدمون مياه البحيرة المقدسة لهذا الغرض. أما أكثر المعتقدات أو الخرافات الشائعة عن الكرنك، فتتعلق بقدرة «الجعران العملاق» على جلب الحظ، حيث يطوف المئات حوله سبع مرات. وكثير من السيدات يطفن حوله أيضاً من أجل الحمل، وهو ما يؤكد أن أغلب خرافات ومعتقدات الكرنك تتعلق بالحمل.
وعما أثير مؤخراً حول مشاهدة خفراء المعبد للتماثيل، وهى تتحرك ليلاً يقول «عيد»: «هل يمكن لتمثال يزن عشرات الأطنان أن يتحرك؟! بعض الخفراء يظن ذلك بسبب الظلام الدامس الذى يملأ المعبد المترامى الأطراف. لكنهم يُشيعون ذلك لخلق إثارة وإبهار يجتذبان الزائرين. كما أن الكثير من أبناء الأقصر يعتقدون أن هناك ديوكاً عملاقة من الذهب تخرج ليلاً، وهو ما يطلق عليها المهووسون بالآثار «حراس اللقية»، أى حراس الكنز.