من أجل «سلطة التمكين»: ركبوا الثورة.. وباعوا الثوار
حينما أعلن النشطاء الشباب أنهم سينظمون مظاهرات فى 25 يناير للمطالبة بـ«العيش والحرية والعدالة الاجتماعية» ضد نظام مبارك، تحسست كل التيارات والأحزاب التى تبحث عن مصالحها فى أى مسار تقف، فى محاولة للحصول على مكسب أكبر، وكان أبرزها جماعة «الإخوان»، والتى اتخذ قادتها قراراً بعدم النزول والمشاركة فى ذلك اليوم، وبادروا بإصدار تصريحات وبيانات مؤيدة لذلك، خوفاً من بطش نظام مبارك.
نزل الشباب إلى الميدان وهتفوا ضد الظلم وكسروا حاجز الخوف، وبدأت جماعة «الإخوان» تتحسس موقفها من جديد، حينما نجح اليوم الأول، وأعلنت لاحقاً أنها ستشارك فى جمعة الغضب مع شباب الثورة والتيارات السياسية المشاركة، خلعت الثورة مبارك واعتقد المشاركون فيها أنهم قضوا على الفساد والظلم إلى الأبد، لكن الاعتقاد لم يدم طويلاً، فالجماعة التى قفزت على الثورة باعت الثوار وخلقت مساراً للثورة من منظورها وتأليفها، باعت كل الوعود التى قطعتها على نفسها، كما باعت كل من وقف فى صف ضدها حتى ولو كان موقفه صحيحاً، فسيطرت على الحكم والبرلمان وبدأت فى إعادة إنتاج نظام لا يختلف عن نظام مبارك كثيراً.
يحلل الدكتور عمرو هاشم ربيع، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، موقف جماعة «الإخوان» منذ شرارة الثورة الأولى ويرصد موقف الجماعة من مبادئ ثورة يناير، فيقول: «باع الإخوان ثورة يناير منذ اندلاعها، وبدأوا فى حصد مغانمهم التى تخص جماعة الإخوان، حيث تسلقوا على ثورة يناير فوق أكتاف الشباب الثائر فى الميدان. لم يتوقف الأمر على ذلك فقط، بل امتد إلى ادعائهم أنهم هم من قاموا بالثورة وكانوا سبب نجاحها الأول، رغم أنهم لم يعلنوا نزولهم ميدان التحرير فى يوم 25 يناير، حتى حينما شاركوا فيها حولوا مسار الثورة من كونها سلمية إلى ثورة عنيفة».[FirstQuote]
ويبرهن «هاشم» على كلامه، قائلاً: «منذ اشتركت جماعة الإخوان فى يوم 28 يناير عام 2011 بدا فى ذلك اليوم العنف واضحاً، قاموا فى يوم جمعة الغضب بحرق أقسام الشرطة، وأخرجوا قيادات الجماعة من السجون، وخانوا وطنيتهم عندما استعانوا بأعضاء من حركة حماس لاقتحام السجون وإخراجهم، ومنذ بداية الثورة لم يكن هناك مخطط واضح لدى الإخوان يريدون تنفيذه فى البداية، فكانوا يأخذون القرارات حسب تطور الأوضاع السياسية فى البداية، وكل القرارات التى كانوا يتخذونها كانت لمصلحتهم، وحينما نجحت الثورة فى أيامها الأولى وفى أول جمعة للنصر، سيطر الإخوان على منصة ميدان التحرير الرئيسية ولم يسمحوا لأحد بالصعود سوى من يعبر عنهم، ليؤكدوا أنهم السبب الرئيسى فى نجاح الثورة».
يستكمل «هاشم» حديثه متطرقاً إلى موقف الإخوان من استفتاء 19 مارس قائلاً: «وقف الإخوان المسلمين ضد أهداف الثورة حينما قرروا أن يدعموا استفتاء 19 مارس ببنوده التى تتيح لهم السيطرة على مقاليد الأمور، لأن الاستفتاء يعنى أن الانتخابات البرلمانية هى أولاً، وأن البرلمان سيتحكم فى تشكيل الدستور، إذن فهم سيتحكمون فى وضع الدستور، لذا وجهوا طاقتهم مع التصويت مع الدستور ليحققوا مصلحتهم أولاً».
ويضيف «هاشم»: «لم يهتم الإخوان باستكمال طريق الثورة إلا من منظور واحد: وهو تحقيق أكبر مصالح ممكنة خلال الفترة الانتقالية، حينما نزل الشباب الثائر فى أحداث مجلس الوزراء ومحمد محمود واعتصموا لاستكمال ثورة يناير، كان الإخوان يتعاملون مع الموقف بمبدأ المصلحة وليس بمبدأ يخدم أهداف الثورة، حينها كانت الانتخابات البرلمانية على الأبواب، وكان الإخوان بصدد التجهيز للمعركة الكبرى فى السيطرة على برلمان الثورة، لذلك رأوا أنه من مصلحتهم أن ينفصلوا عن الشباب للتعجيل بإجراء الانتخابات البرلمانية لضمان سيطرتهم عليه وتحقيق مكسب للجماعة، وبهذا يكونون قد باعوا الثورة والثوار».
يستطرد «هاشم»: «بدأ الإخوان فى التمكين السياسى والبرلمانى لجماعتهم، ودخلوا فى وفاق مع المجلس العسكرى آنذاك لضمان تحقيق مصالح الجماعة، وبذلك خانوا الثورة والقوى السياسية حينما قالوا إنهم لن ينافسوا على أغلبية البرلمان، كما قالوا إنهم لن يشاركوا فى الانتخابات الرئاسية ولم يفوا بوعودهم، وبدأوا فى لعبة القط والفار مع المجلس العسكرى لضمان مصالحهم، فتارة يصبح «المجلس العسكرى» بطلاً حمى الثورة وشارك فى تنحى مبارك، وتارة أخرى يتعاملون معه على أنه من بقايا نظام مبارك».
يشير نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية إلى دور الإخوان المسلمين فى السيطرة على اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور، والذى يتنافى مع وعودهم بأن قواعد القواعد الدستورية والقانونية فى الوطن ستكون بالتوافق، لكن حنثوا بوعودهم حينما سيطروا على اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، حتى يضعوا مواد تحقق مصلحة الجماعة على حساب جموع الشعب المصرى ودون رغبة الكثير منهم، لذا كانت لهم الأغلبية والتحكم فى أعضاء اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور.
يؤكد «هاشم» أن الانتخابات الرئاسية كانت نموذجاً واضحاً على خيانة العهد والوعد وبيع الثورة والثوار، وقال: «حينما بدأ تنظيم الانتخابات الرئاسية تخلى الإخوان عن وعودهم بعدم الترشح للانتخابات، وقرروا السيطرة التامة عن طريق اثنين من المرشحين: خيرت الشاطر أساسياً، ومحمد مرسى احتياطياً، وبدأت حملات التشهير بمنافسيهم السياسيين، ووصلوا لمبتغاهم وأصبح رئيس الجمهورية الرئيس المعزول محمد مرسى».
يعود الدكتور «وحيد عبدالمجيد»، أستاذ العلوم السياسية، ونائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بالأحداث قليلاً مسترجعاً تجربة عايشها بنفسه ترتبط بعدم التزام الإخوان بوعودهم، قائلاً: «باع الإخوان الثورة والثوار منذ يوم 10 فبراير من عام 2011، حيث كانت لى تجربة واقعية فى مفاوضات بين عدد من القوى الثورية مع جماعة الإخوان المسلمين للتراجع عن تقديم مرشح للانتخابات الرئاسية، حتى نعطى إشارة لنظام مبارك قبل التنحى أن سقوط مبارك لا يعنى أن مصر ستسقط فى يد أحد من التيارات، وبناء على المفاوضات وافقت جماعة الإخوان المسلمين فى بيان رسمى وأعلنت أنها لن تخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد سقوط نظام مبارك، وبالفعل خرج متحدثون رسميون باسم جماعة الإخوان المسلمين وأعلنوا فى الإعلام ليلاً قرارات الجماعة بعدم الترشح، وفى خلال أيام تالية اجتمع مكتب الإرشاد وأصدر قراراً نهائياً بأنه سيلتزم بعدم تقديم مرشحين للانتخابات الرئاسية، وبموجب هذا القرار اتخذ مكتب الإرشاد قراراً آخر بفصل عبدالمنعم أبوالفتوح من الجماعة وإبعاده عن المشهد لأنه أعلن سابقاً أنه سيترشح للانتخابات الرئاسية، وبهذا القرار اتضحت نية الجماعة أنها صادقة فى عدم الترشح للانتخابات الرئاسية، ثم أعلن اللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية تنحى مبارك عن الحكم فى 11 فبراير، وفى اعتقادى أن ذلك يعود إلى التأكد من أن جماعة الإخوان المسلمين لن تترشح على كرسى الرئيس».[SecondImage]
يستكمل «عبدالمجيد»: «خرقت جماعة الإخوان المسلمين قرارها بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية، وكان ذلك بداية الطعنات التى وجهوها للثورة، وبدا واضحاً أنهم قرروا استغلال الثورة والسيطرة على البلاد، وبدأت تتضح نوايا قيادات الجماعة من أنهم يريدون أن يستخدموا الكرسى الرئاسى كوسيلة للتمكين فى الدولة، وكل ما حدث فيما بعد من أزمات عانت منها مصر سياسياً وأحداث درامية كانت بسبب هذا القرار الخاطئ وهذا التراجع عن الوعود التى قطعها الإخوان المسلمين على أنفسهم».
يضيف «عبدالمجيد»: «كانت هناك فرصة عظيمة لنجاح ثورة 25 يناير لولا قرارات جماعة الإخوان المسلمين للسيطرة على الدولة والحكم عن طريق كرسى الرئيس، ولو كان فاز أحمد شفيق كرئيس جمهورية كان سيخاف من التيار الشعبى العارم الذى يؤيد ثورة 25 يناير وكان سيعمل على إرضاء أنصار الثورة، كما أنه كان من المستحيل أن ينقلب على المناخ العام، لكن كان الطمع يسيطر على جماعة الإخوان المسلمين فى السيطرة على مقاليد الحكم حتى ولو تخلوا عن وعودهم».
يستكمل «عبدالمجيد»: «حينما سيطر الإخوان على كرسى الحكم اتجهوا للسيطرة على الدولة بكامل مفاصلها، وأنتجوا «نظام مبارك» جديداً لكنه بـاللحية هذه المرة، حيث أصبحت المصالح هى التى تحكم وجودهم وتحكم أسلوب تعاملهم، حتى رجال أعمال نظام مبارك ظلوا على علاقة جيدة برجال أعمال الإخوان، رغم أنهم من بقايا نظام مبارك الفاسد، وهذا كان بيعاً واضحاً لمبادئ الثورة التى كان من أهم مطالبها القضاء على رموز النظام السابق».
«صمت الإخوان وتركوا الثوار يقمعون فى شوارع مصر ويقتلون وتخلوا عنهم من أجل تحقيق مكاسب سياسية لصالحهم» يجزم أستاذ العلوم السياسية فى كلماته: «بالفعل هم قضوا على مبادئ ثورة الخامس والعشرين من يناير حتى يضمنوا تحكماً تاماً فى السلطة».
يقول صلاح عيسى، الكاتب الصحفى: «الإخوان باعوا القوى السياسية، ولم يلتزموا بوعودهم التى قطعوها على أنفسهم فى مؤتمر القوى الثورية الذى سبق الانتخابات الرئاسية فى فندق فيرمونت، وأكدوا لكل السياسيين أنه بمجرد مجىء محمد مرسى رئيساً للجمهورية سوف يكون هناك دستور توافقى يرضى عنه جموع الشعب المصرى، وسوف تأتى الحكومة المصرية ائتلافية بمشاركة جميع التيارات والأحزاب السياسية، وسوف ينفذون أهداف ومبادئ ثورة يناير، كما أن مرسى سيكون رئيساً لكل المصريين وليس رئيساً لجماعة الإخوان المسلمين، لكن لم يف الإخوان المسلمين بهذا الوعد، واعتمدوا على مبدأ: لو لم نستفد من هذه الفرصة فلن تتاح لنا مرة أخرى أبداً، ولو استولينا على الحكم وتمكنا من الكرسى فسوف تفتح لنا البلدان العربية ونسيطر عليها بفكر الجماعة المرشد».
يستطرد «عيسى»: «لكى ينفذ الإخوان مخططهم فى التمكين لم يراعوا مبدأ واحداً من مبادئ ثورة الخامس والعشرين من يناير، ونفذوا كل ما ينافى مبادئ الثورة، وسيطروا على الحكم تماماً، ولم يراعوا الحرية ولا مبادئ الديمقراطية فى حكمهم، وطعنوا فى شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير الذين صنعوا شرارة الثورة الأولى، وتخلوا عن وعودهم التى قطعوها فى فندق فيرمونت، واستعدوا أجهزة الدولة وتدخلوا فى عملها بما يخدم مصلحتهم، وحاولوا أخونة الدولة، وأتوا برئيس للوزراء ينفذ أجندتهم، وعينوا محافظين من الجماعة، وارتكبوا حماقات كثيرة واصطدموا مع الإعلام ليكمموا الأفواه ويكبتوا الحرية ويقضوا على أحد أهم مبادئ الثورة».
يشدد «عيسى» على أن نظام الإخوان ارتكب أخطاء تاريخية، فيقول: «عفا مرسى عن إرهابيين متشددين تكفيريين وأخرجهم من السجون، وسمح لأصحاب الفكر المتشدد الذى يعيش فى أفغانستان من الدخول لمصر، وأقام تحالفاً مع قوى الإسلام المتشدد. وأنا نصحت جماعة الإخوان المسلمين بعد نجاح ثورة يناير بأن يتحالفوا مع القوى الحديثة وليس مع القوى المتشددة، حتى تجعلهم أكثر عصرية فى الحكم وفى اتخاذ القرارات، لكن لم يهتم أحد».
ويقول الدكتور عماد جاد، الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، إن نظام الإخوان اعتمد بشكل مباشر على التكثيف الأمنى لحماية نظامه، كما أصدر إعلاناً دستورياً يقيد الحريات، ويجعل كل قرارات رئيس الجمهورية غير قابلة للطعن، وهذا منافٍ تماماً لمبادى ثورة لثورة الخامس والعشرين من يناير، وبدأ يكثف ويحشد أنصار الإخوان المتشددين من التيارات الدينية.
ويواصل «جاد»: «انحاز الرئيس الإخوانى إلى عشيرته فى أحداث الاتحادية حينما نزل المتظاهرون إلى القصر الرئاسى كى يعلنوا اعتراضهم على هذا الإعلان الدستورى، وباع الثورة والمتظاهرين حينما نزلوا، ليعبروا عن رأيهم بسلمية، وغض الطرف عن قيام شباب الإخوان بالاعتداء وتعذيب المتظاهرين السلميين وقتلهم، بل وخرج فى أنصاره يخطب على أنه بطل مغوار».
يختتم «جاد» حديثه قائلاً: «أثبتت الأيام فيما بعد من ناتج التحليل لأداء جماعة الإخوان المسلمين ولسلوك رموزها الذين يمثلونها، أنهم يحتاجون لتيار أو شخص يقدم أسلوب خطاب تعاونياً، وحينما يشعرون بأنهم لا يريدونه أو أنه يقف ضد مصالحهم يبدأون فى معاداته، لذا باعوا الثورة والثوار الشباب بعد أن تسلقوا عليها».